المنبرالحر

الاستجابة لمطالب الشعب تحرير للإرادة الوطنية / ناجح المعموري

كانت تظاهرات 25 شباط 2011 خميرة كامنة ولم تنطفئ جذوتها الكامنة تحت الرماد مثلما ظلت الدروس المستخلصة منها حاضرة لدى الشباب والمثقفين والفنانين المشاركين فيها.
تلك التظاهرات المقموعة من قبل رئيس الوزراء بقوة وقسوة، وهذه المدعومة من قبله والمرجعية الدينية واعتقد ان دروس التظاهرات الاولى مهمة للغاية من حيث الادارة والمراقبة والمشاورة بين اللجان المتنوعة التي زاولت عملها بفعاليات قليلة العدد، لكنها ذات تأثير مهم في الشارع الثقافي واعني به شارع المتنبي، لذا اعتقد ان كل ما حصل في شارع المتنبي ايام الجمع نوع من الاحتشاد المتنوعة والتظاهر للتعبير عن هموم مجتمعه وانشغالات اجتما- سياسية تميزت بالتنوع والاختلاف وهذا اهم ملمح في تلك الفعاليات ذات الطاقة الفوارة والهادئة معا، وقد وظفت امكانات الشباب والمثقفين والفنانين لان فعاليات المتنبي ثقافية واتسعت لفئات عديدة وكان للمثقفين من كبار السن دور ملحوظ في اقتراح الفعاليات وقيادتها والعمل على استقطابها عبر خطط آنية وليست قصدية.
من هنا بودي استثمار هذه المقدمة القصيرة للدخول الى تظاهرات آب 2015 وأؤكد على ان هذا الحجم والتباين والاختلاف هو الذي منح هذه القوة والحضور الذكي لها، الذي تميز به الكثير من المثقفين وهذا ما لاحظته في مدينة الحلة حيث اتسع دور الفئات المثقفة كثيرا واعني اولا المثقف العضوي الفاعل الذي امتلك رؤية موحدة جمعت بين فئات غفيرة للغاية ما ابرز دور المنظمات المهنية والمدنية المتنوعة والمتميزة فعلا بالاختيار الدقيق للشعارات التي بالامكان التعامل معها بوصفها قاسما مشتركاً، وبالرغم من الوحشية والبربرية التي طالت المتظاهرين والمعتصمين باوامر مباشرة من صادق مدلول محافظ بابل واجزم ان المحافظة مشلولة تماماً ومعروف ان استمرار التظاهرات ينطوي على طاقة استدعائية واستقطابية جديدة لحشود كبيرة من المشاركين من كل الفئات، والملفت للانتباه مشاركة فتيان المدارس جنبا الى جنب مع الشباب وايضا مع المرأة والمعلمين والعمال والمدرسين مع نسبة كبيرة من الشغيلة الحرة في الاسواق والمتقاعدين وباعة الارصفة، وكانت هذه الفئات مركز منح الفعاليات ديمومتها لأنها واجهت التردي السياسي والاقتصادي اكثر من غيرها.
وعودة مرة ثانية إلى مشاركة المثقف وقيادته الفعالية، لا بد من الاشارة الى مشاركة المثقفين عبر ممثلين لهم في جماعة الحوار مع الحكومة المحلية والتي جرت يوم الاحد الماضي، منذ التاسعة صباحا وحتى الرابعة مساء، وهذا يوضح ان الحشود حققت نجاحا كبيرا ومهما، واعتقد ان طلب مجلس المحافظة في بابل التحاور مع لجنة ممثلية الشباب يعود الى قناعته باستمرارية هذه الفعالية.
وأكدت التظاهرات شعاراتها مع التركيز على ضرورة استقالة محافظ بابل صادق مدلول المطلوب قضائيا لتجاوز ميليشياته على الشباب ومطاردتهم بخراطيم المياه.
عودة مرة اخرى إلى دور المثقفين في مدينة الحلة والمعبر عن تاريخ ثقافي وحضاري وموروث كبير، انا غير قادر على فك العلاقة بين الحركة الثقافية الآن وبين افكار النهضة التي امتدت سريعا الى العراق وكانت لها تمثيلات واضحة ومعروفة، كما ان تاريخ الحلة في العشرينات حتى ثورة تموز 1958 حافل بادوار كبيرة لعبتها الحركة الدينية ورموزها المتنورة، وكلنا نتذكر الشيخ عبد الكريم الماشطة والشيخ رؤوف جبوري والشيخ محمد باقر..الخ. واهم ما يميز الثقافة تأثيرها المتراكم لان الفكر مختلف عن المزاولات الادبية الصوتية مثل الشعر وفاعلية الثقافة تستيقظ بلحظة حساسة جداً، وهذا يعني لي ان التفجر هذا جاء نتيجة للثقافة والفكر والمعرفة المستمرة بحياتنا منذ عشرات الاعوام. واستطيع توسيع مدار المثقف اكثر اذا تعلمت معها - الثقافة - ووجهت النظرة الانثروبولوجية المانحة للثقافة مفهوما واسعا يفتح مجالات التعامل مع الثقافة لذا انا مع اتساع مساحتها لان الثقافة تمنح الانسان وتساعده على تكوين الرؤى والافكار وهذا مهم وجوهري لان الجماعات الواسعة تمتلك وعيا عاليا في تحديد واختيار الشعارات التي هي ثقافة من ينادي بها ومنها : العدل والمساواة، محاكمة سراق قوت الشعب، اصلاح القضاء، تفعيل مبدأ من اين لك هذا؟، ملاحقة الفساد منذ عام 2003، لا غطاء للفاسدين، ملاحقة الثراء السريع، توفير الماء والكهرباء مطلب للعراقيين، ازدواج الجنسية فساد، الكشف عن ملفات الموت الجماعي، تحسين البطاقة التموينية، تسليم الموصل والرمادي من جرائم العصر.
لا شيء في هذه الشعارات مثيرا للاستفزاز او التحفظ، بل كلها منطقية يعرفها الشعب وتكاد تكون مشتركة بين المحافظات العراقية، ما حصل منذ شهر وسيستمر حدث تاريخي لا مثيل له في العراق، يشير إلى كل تأثيرات الثقافة البطيئة والتي تمكنت لاحقا من صياغة عقل نقدي عرف كيف يواجه المشاكل المستعصية ويرسم طريقا صحيحا وسليما لحياة عراقية جديدة يكون الوطن هو المعيار لمعرفة المخلص وليس الجيوب.
على السيد العبادي الاسراع والجدية بالاصلاح فما حصل قشريات لامست جسد الجثة، ليس بالامكان الانتظار اكثر على ما هو حاصل. المثقفون يريدون اصلاحا حقيقيا وفضاء الحرية يتسع يوما بعد آخر، والدليل على ذلك انكسار جدار الحذر بعد فتوى المرجعية فقد خرج الجميع جامعيون، مهندسون، رجال اعمال، اكاديميون، منظمات مدنية واهلية، مسرعين نحو الخلاص لانه قريب ولم يعد حلما اذا استلم رئيس الوزراء رسالة الجماهير المطالبة بتجريف القضاء لان الاصلاحات تبدأ منه. وفي الوقت الذي يتخذ مثل هذا القرار الثوري سندرك جدية العبادي.
القضاء الفاسد عقبة كبرى أمام الاصلاح ولا بد من كشف الفساد المعشعش في الداخل.
العراق يسير نحو الانتصار في واحدة من اهم معارك العصر الحديث حيث السلم هو سلاحها الوحيد.
المجد والخلود للشجعان من كل العراقيين، والخزي والعار للخونة وسراق مال الشعب.