المنبرالحر

جواد سليم..حراً باستمرار / قيس قاسم العجرش

ترك لنا هذه الفنان معبداً شعبياً للحرية لن يتكرر. ..قال لنا : إرفعوا لافتة واكتبوا عليها ما تشاؤون، فلا يمكن تقليم مشيئة الشعوب أو تفسيرها بما هو أضيق من حقيقتها.
لا يمكن لعمل الفنان أن يكون محدوداً مثل محدودية اللغة أو ضعيفاً مثل النصوص القانونية، فالفنان يرسم بالأمنيات ما لا طاقة للكلمات على وصفة وما لا يمكن للنصوص الإحاطة به.
وللطرافة فبطريقة ما تحققت(نبوءة!) فاشي خرف مثل خيرالله طلفاح!...الذي كان يرى (وهو محافظ لبغداد) أن في نصب الحرية لجواد سليم لعنة ولذلك سعى أكثر من مرة لتقديم مقترح لهدم النصب ثم بعد أن وجد أن الهدم مستحيل فقد اقترح نقل النصب الى مكان آخر.
بالنسبة لتفكير الطلفاحيين (وهم كانوا موجودين عبر التاريخ الحديث) فإن وجود هذا النصب - المبجِّل للحريّة يعد بلا جدال لعنة على رؤوس الدكتاتورية والرجعية.
لذلك بقيت مخلوقات جواد سليم القصصية تحكي لعيون الشباب مكابدات شعب يلتمس عبر تضحيات أفراده الأحرار انه يستحق الحرية التي ترفع على نصب وتحملها لافتة عملاقة بحجم هيبة المُنادين بها.
هذه هي النبوءة الحقيقية التي يمكن أن نصدقها من فنان ذابت فيه آمال الناس في مقابل خطط محافظٍ خرفٍ يمثل أحقاد التاريخ المعبأة.
إن فتيان التحرير ليسوا مجرد مجاميع شعبية رغب مزاجها ان تلعب لعبة مع السلطة وأن تظهر في ساعات الاخبار المشحونة. لقد سبق لقصة جواد سليم المحكية عبر الفن أن شرحت عكس ذلك وتنبأت بغير ذلك.
رأى (الفنان - الضمير) أن هذا الشعب سيستمر بالتظاهر من أجل مطالبه وأنه مكتوب عليه بطريقة أو بأخرى استمرارية النضال من أجل نيل حقوقه وحيازة وجوده الحقيقي. لم تكن مجرّد اشكال برونزية قدر ما إنها تمثل عصب الحكاية العراقية المستمرة.
لقد استشعر الفنان أن الظلم باق في هذه الارض أكثر من أي ارض أخرى، واخبرنا بذلك وهو مملوء بالمرارة لكنه أعطانا ترياقاً يزيل السحر واللعنات. لن يزول الظلم مالم تجتمعوا تحت اللافتة العظمى.
لن يتغير الحال مالم ترفعوا أصواتكم تحت المنصة الأزلية. لن يتمكن احد من إزالة نصب التحرير ولن يتحرك رمزه في قلوب الناس، المطلوب فقط قليل من المثابرة والتواصل والاستمرار. وسينبت كل شيء أخضر يانع تحت اللافتة العظمى...لقد اقسم جواد سليم بذلك، أنا شخصياً أصدقه تماماً..قليل من الصبر والثبات هو كل ما يلزم.