المنبرالحر

ما زالت الاصلاحات خجولة! / مرتضى عبد الحميد

ها قد مرّ على انتفاضة الشعب العراقي اكثر من شهر، والاصلاحات ما زالت تطل بخجل على المشهد السياسي، وبعكس ما هو متوقع منها. ان شعبنا الذي ظل طيلة العقود الماضية يتجرع مرارة الحكام والانظمة الفاسدة متذرعا بالصبر احيانا وبالمراهنة على ضمائر الحكام احيانا اخرى، لم يخطىء الطريق هذه المرة، فأخذ زمام امره بيده، بعد ان يئس من أولي الامر، الذين ربحوا بطاقة اليانصيب السياسي، فتصدروا بقدرة قادر العملية السياسية وحولوها الى كرة من نار ارادوا بها احراق ذاكرة هذا الشعب وتجريده من اية مقومات للنهوض من جديد، ليواصلوا ما جاؤ?ا من اجله، اي الغنيمة والفرهود، مدافة بتوابل من الطائفية السياسية، والانانية، والحزبية الضيقة، وبكل ما هو متخلف في عالمي السياسة والاقتصاد والمجتمع.
لقد كان واضحا لكل من مارس السياسة، حتى لفترة قصيرة، ان تراكم الغضب الشعبي والشعور بخيبة الامل وفقدان الثقة كليا بهؤلاء السياسيين سيؤدي عاجلا ام آجلا الى الانفجار، ويتحول الكم الى كيف، كما حصل منذ 31 تموز الماضي. بيد ان هؤلاء لم يدخلوا عالم السياسة، لا من الباب ولا من الشباك، وانما قفزوا سياج الدار قفزا، بمساعدة ودعم كاملين من المقاول الرئيس القابع وراء الحدود.
وكما هو متوقع انتفض ابناء شعبنا البواسل، متجاوزين كل الاسلاك الشائكة، التي وضعت في طريقهم، وانطلق الحراك الجماهيري في ساحة التحرير وساحات النضال الاخرى في بغداد والمحافظات والمدن العراقية المختلفة، مدللا بما لا يدع مجالا للشك، على مستوى النضج السياسي للجماهير وحرصها على تحقيق الاصلاح في كل المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والقانونية، مجسدة ذلك بالشعارات الصائبة والموضوعية وبالتدرج في المطالب التي ابتدأت بالخدمات، ثم انتقلت الى مكافحة الفساد واصلاح العملية السياسية برمتها.
والشيء المفرح حقاً، والذي يعزز الامل ويرفع مستوى التفاؤل بأن تؤتي الانتفاضة ثمارها، هو الطابع المدني والديمقراطي لها، والشباب هم العنصر الطاغي فيها، بالاضافة الى تجسيدها للوحدة الوطنية بأوسع وانبل معانيها.
والاهم من كل ذلك هو زيادة وزنها الشعبي واتساعها عموديا وافقيا بمشاركة الملايين فيها، الامر الذي يجب ان يستثمره السيد رئيس الوزراء افضل استثمار، لأن هذه القاعدة الجماهيرية الواسعة هي السند الاساس له، فضلا عن موقف المرجعية المتميز في تأييده، ودعم مشروعه للاصلاح الوطني.
ان جبهة الخصوم كبيرة، وهي موحدة في طروحاتها ومساعيها الشريرة لافشال عملية الاصلاح كما انها لا تتعفف عن الاستقواء بالاجنبي، ولهذا فان الاستهانة بما يفعلون، هو الخطأ الجسيم بعينه لا سيما بعد تجاوزهم الصدمة وتوحيد قواهم على الباطل. وسيكون خطأً اكثر جسامة اذا ظلت الاصلاحات تراوح في مكانها، او بقيت حبرا على ورق.
ان التردد وعدم اتخاذ خطوات جدية من قبل العبادي، خصوصا في ما يتعلق بازاحة ومعاقبة الفاسدين والفاشلين، وفي اصلاح القضاء، وبالاساس في تكوين رؤية واضحة وبرنامج اكثر وضوحاً، لما يريده ملايين العراقيين، سوف يؤدي الى دمار العراق وتخريبه بالكامل، رغم النوايا الطيبة.
والمثل يقول: " الطريق الى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة ".