المنبرالحر

الفساد من أمامكم ..والكوليرا من ورائكم! / د. سلام يوسف

البحر من أمامكم والعدو من ورائكم.. قالها طارق بن زياد.
مقولة فيها دعوة صريحة الى المقاومة والمواجهة واثبات الوجود للفوز بالنصر والانتصار من أجل ما يقاتلون في سبيله، كما أن (عدوهم) واضح وصريح المعالم والحدود. ولكن ما يحصل في العراق، شيء آخر، فالعراقيون يواجهون عدوين مرتبطين ببعضهما ارتباطاً عضوياً، الفساد والمرض، كلا العدوين مفتوحَي الحدود متسللان متشعبان، واحدٌ منهما ينتج الأخر، فالمرض أحد نواتج ضعف وهبوط وسوء أداء الخدمات الصحية والبيئية والتربوية والثقافية والاقتصادية، وإن سبب هذا الضعف والهبوط وسوء الأداء، هو الفساد، وفي هذه الحالة، ليس أمام العراقيين إلاّ سبيل الانتفاض وها هم ينتفضون.
الكوليرا من الأمراض المتوطنة في العراق، وما من منفذ أمام البكتريا التي تسببها، من أجل النمو والتكاثر وإصابة الناس بما تنتجه من سموم، الاّ الهبوط الحاد والشديد بالتحوطات الوقائية، بل بوجود شرخ في ساتر المناعة وفي جدار الصحة العامة وضوابطها، حيث أن تلك الضوابط والإجراءات تشتمل على، توفير مياه نقية خالية من الشوائب الجرثومية، تكون صالحة للشرب، خصوصاً في الأماكن الطرفية والبعيدة عن مراكز المدن، الى جانب بيئة خالية من النفايات، إنشاء شبكة صرف صحي حديثة مع تأمين أدامتها(كما يحصل في البلدان الحريصة على صحة مجتمعاتها)، رقابة صحية على المطاعم والعربات الجوّالة والفنادق ومعامل تصنيع الأطعمة والأشربة ومعامل الثلج والمسابح، إضافة الى الرقابة الصحية الصارمة على المنتجات المحلية(خصوصاً في البيوت والتي تدخل جوف الأنسان)، ناهيك عن ضرورة وأهمية الاستمرار في الأرتقاء بمستوى الوعي الصحي المجتمعي، كل ذلك لا يقل شأناً عن مفهوم الترابط مع الواقع الاقتصادي للشعب وبين واقعه الصحي والبيئي. إن الواقع تعكسه لغة الأرقام التي تشير الى حقيقة مرّة، وهي أن ربع السكان يعيشون تحت خط الفقر بسبب البطالة جراء تعطل الآلة الصناعية والزراعية.
ومما زاد الأمر صعوبة هو النزوح الجماعي لأكثر من ثلاثة ملايين عراقي جراء تدهور الحالة الأمنية مما هيأ الظروف لعودة ظهور الأمراض ومنها الكوليرا.
فالأمر برمته متعلق بالظروف الموضوعية التي أشرّت وبصورة لا تقبل اللبس الى أن أمراضاً بعينها ستقتنص الفرصة وتعاود الظهور وتنتشر، وها هي الكوليرا قد ظهرت وتم تسجيل عدد من الحالات المؤكدة في بعض المناطق سواء في بغداد أم المحافظات.
والسؤال المنطقي الذي يُثار، ما هو العامل المشترك في نشأة الظروف الموضوعية أنفة الذكر؟
نستطيع القول بلا أي تردد، أنه الفساد الإداري والمالي..!
الفساد الذي عاث بالأرض والمجتمع فساداً، فبسببه تكسرت بعض من حلقات سلسلة تقديم الخدمات بصورة وطنية أمينة متقدمة، وبعضها الأخر قد فُقِدتْ، وبسببه أيضاً أنحرف الولاء من الوطني الى الذاتوي والطائفي والفرعي، وبالفساد نفسه تم نهب المال العام، وبالفساد أيضاً أستقوى من هم ليسوا أهلاً لتلك المواقع ذات التأثير في القرار، ناهيك عن أن الفساد نفسه يعد منتجا دائما للأزمات والسبب الارأس في سوء وتردي أداء الخدمات ومنها الخدمات الصحية والبيئية، والنتيجة ظهرت، وهي غير مشرّفة، النتيجة أن الشعب محاصر بين عنوانين، الفساد والأمراض، وهي التي ستكون الدافع في معركته من أجل البقاء ليحيا حياة حرة كريمة.