المنبرالحر

إمتحان / قيس قاسم العجرش

صعب أن يمتحن المرء نفسه، والأصعب أن تجرّب الشعوب امتحان ذواتها.
لكن هذا(الأصعب) يحدث الآن في العراق. العراقيون يمتحنون أنفسهم. في الحقيقة نخبة واسعة من العراقيين، غيّرت المفهوم السائد عن النخب ابتداء، وجرّبت الآن أن تمتحن نفسها.
الامتحان هو لعبة حبس الانفاس واصطراع الارادات التي يواجهها المتظاهرون في كل أسبوع. والمُمتحن (سواء بكسر الحاء أو فتحها)هو الإرادة.
إما ان يكون هذا البلد قابلاً للإصلاح، أو أن ينسى الانسان فكرة العيش فيه من جذورها.
إما أن يمارس هؤلاء الشجعان الديمقراطية، كل الديمقراطية، ليس نِصفها وليس رُبعها وليس بديلاً ممسوخاً عنها، أو انهم لا يستحقون العيش في بلد يحمل اسماءهم ويحملون اسمه.
إما ان يفهم الساسة ان العراق وطن وليس مزرعة لهم! أو أن الهتاف من أجل حياة عادلة حرّة كريمة لن يتوقف.
إما أن ينقلع المُفسدون الطائفيون الكاذبون، المتورّطون بكل الرزايا والعورات، أو أن صوت الوطن سيبقى هادرا.
الأمور وصلت الى هذه النقطة بالذات، الى معركة وجود.
انها نقطة اللاعودة، وليست هناك حلول وسطية. ومثلما لن يكون هناك حلٌّ وسطي مع الارهاب، ليس من حلّ وسطي مع الفساد. لن يأمن أحد الفساد (والمفسدين) ولن يشعر بالامان إلا باجتثاثه من الجذور، وجذوره بائنة عارية لا تخفى على أعين الوطنيين، الدّين الذي صار لعقاً في افواه سماسرة العنف والطائفة التي صارت خرقة لمسح دبق المال العام المسروق.
ليس غير هاتين من مخبأ للفاسدين، فما أسهل كشف هذا التخفي !
الى غاية الجمعة أمس الاول، أثبت المتظاهرون أنهم نجحوا في امتحان ذواتهم، وهذا مدعاة للثقة.
كما اثبتت السلطة على الارض أنها بحاجة سريعة الى طبيب أذُن ماهر، والى معلّم خلوق يعلّم بعض عناصر الأمن الأخلاق.
ارتكب البعض تحت عباءة السلطة الأمنية نفس السوءات التي شهدناها قبل اربع سنوات. لكن الأمور تم تداركها بسرعة.
وأما طبيب الأذن المطلوب، فهو ضروري كي يعالج طبلة الاستجابة عند السلطة. وأما المعلم الخلوق فسنسأله أن يكرر على اسماع بعض رجال الأمن، أن داعش والارهاب ليسا هما من يتظاهر أمامهم، انما هؤلاء محضُ شباب عراقي غيور لديه نفس غيرتكم على بلدكم.
عبارة «فشل المتظاهرون في حث الحكومة على الإصلاح» هي عبارة خاطئة بالمجمل.
المتظاهرون نجحوا منذ لحظة اختيارهم التظاهر. بقي الدور على الحكومة أن تنجح هي الأخرى في فهم أن الاصلاح حتمٌ وليس اختياراً أو مِنّة .
سننتظر مرّة أخرى على دكّة الناجحين و(ندعو) للحكومة أن تنجح هي الأخرى!