المنبرالحر

تحرير العقل وظيفة الثقافة والتثقيف العضوي / صباح جاسم جبر

"هدف الثقافة الحرة هو تحقيق الحرية"
د.خليل احمد خليل
يواجه العالم بأسره لا سيما الشرق العربي والاسلامي ثقافاتين مختلفتين ومتضادتين احداهما ثقافة تدميرية تعتمد على العنف اسلوباَ ومنهجاً وترتكز في منطلقاتها في اللغة والفكر والتصور للحياة والوجود على بعض الآراء الفقهية المستلة من بعض الشروحات الرئيسة الراديكالية المتطرفة والتي لا تعترف بوجود المتغير في الزمان والمكان منطلقة من ذات اللحظات لقرون خلت من التاريخ العربي الاسلامي ولا تهتم في التطورات المتسارعة بالحياة والعلم والمعرفة والتكنولوجيا، ثقافة تمتاز بالجمود العقائدي وإلغاء الاخر المختلف ولا تقيم وزناً لشرعية التطورات الاجتماعية والسياسة الاقتصادية، تعتمد على بعض التصورات العقيمة التي تعتقد بأنها من ثوابت وتعطي الحق لنفسها في أشاعة القتل واحداث الدمار بحجة حماية الشرع الاسلامي. ثقافة ماضوية تقدس الماضي وتؤثم الحاضر وتلغي خيارات المستقبل في مواجهة تلك الثقافة المعتمة والظالمة، توجد ثقافة انسانية اصيلة، رافعة راية الحضارة والمدنية والمؤمنة بالمثل السامية النبيلة تحترم الماضي وتقف عنده لاستخلاص الدروس والعبر والمواقف تحيا وتعيش الماضي وتعمل بقوة من اجل تطويره وفي الوقت ذاته تنظر بعملية الى الآفاق المستقبلية في حقول العلم والمعرفة والمتغيرات المجتمعية وتستند على حرية الحياة وجدلية الواقع انها ثقافة الانسان الحضاري الفاعل في الحياة والتاريخ ثقافة الضد النوعي لتلك الثقافة الغبية والتصورات الخرافية التي ليس لها صلة بالارض والانسان، ثقافة علمية انسانية مصدرها الواقع وحرية الانسان، هدفها تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية ونشر افكار حقوق الانسان مؤمنة بالآخر المختلف رافضة لكل اشكال التسلط والاستبداد والحرمان. ان حامل الثقافة والمنتج للمعرفة والذي وصفه المفكر الشيوعي غرامشي بالمثقف العضوي الذي تشكل وعيه في عملية تراكمية تاريخية، عليه ان يلعب دوراً تاريخياً في انتاج الوعي الحقيقي لكونه القوة العراقية وسبل التقدم الاجتماعي والمعبر عن رؤى وطنية في تحقيق العدالة والمساواة وبناء مجتمع خال من العنف والتدمير، رافعة قيم التسامح ومبادئ الديمقرطية والحرية. ان على المثقف المؤمن بحتمية التطور التاريخي ان يقف فكرياً وميدانياً ضد الهيمنات سواء أ كانت سياسية سلطوية أم اجتماعية قبلية أم هيمنة دينية تقع على الانسان داخل النص الديني ويتم تأويله ليس مع العقل ومصلحة الانسان وعلى المثقف ان ينتزع نفسه من هامشية الحياة الى متنها الحقيقي، وان يناقش كل الموضوعات التي تدخل ضمن التابو كالاعراف المتخلفة والتقاليد البالية والمهجنات القبلية والطائفية والمذهبية والافكار الدينية المتطرفة التي حولت الدين من طقوس عبادة ومعاملات انسانية الى ايديولوجيا متطرفة تحرص على الالغاء والاقصاء وتبيح القتل والتدمير والذبح وقطع الرؤوس وتدمير الذات وانتهاك الحرمات والغاء الاوطان، بينما يجب ان يكون خطابه واضحاً وصريحا وان يتعامل مع حقائق الحياة ومصلحة المجتمع في ضوء الدولة المدنية الحديثة. ان الدور الوطني للمثقف يكمن في تجاوز الازمات المجتمعية المعيقة لتطور المجتمع وتقدمه والعمل على بناء نظام اجتماعي سياسي تسود فيه العلاقات الانسانية السامية بعيداً عن التمايزات الاجتماعية ومظاهر العنف الطائفي والعراقي الديني ، وقطع الطريق على الفكر الديني المتطرف الذي يؤثم الحضارة والحاضر ويرتهن الى الماضي لكل قوه ويبعث على الكراهية وينشر الافكار الظلامية وتحريض على القتل والتدمير والعبث بوجود وحياة الناس. ان وظيفة المثقف العضوي هي تحرير العقل الاجتماعي مما علق به من الافكار الخرافية والتصورات الانسانية التي ما انزل الله بها سلطانا وصياغة رؤى الحقيقة ازاء الحياة والعالم والانسان وقطع الطريق على الفكر الارهابي الداعشي في تجريف عقول الشبيبة باتجاهات مغايرة لطبيعة العقل البشري وان ذلك لا يتحقق الا عندما تكون الثقافة ممارسة عملية وخلق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحركة الحياة وانها تعبير عن الواقع بكل تجلياته وهي في الوقت ذاته اداة حقيقية لتغييره.
ان المعركة الحقيقية التي تواجه المثقف العراقي تكمن في محاربة الطائفية والتمترسات العرقية والولاءات العشائرية وكل اشكال ومظاهر التخلف الاجتماعي والفكري وينتصر لقيم الحضارة المدنية ومهمة المثقف الانتقال في المجتمع من منطقة الازمة الطائفية الى مساحة الوطن الذي يتسع جغرافياً وتاريخياً لكل الانساق الدينية والمذهبية والقومية والسياسية ان التطرف الديني الذي انتشر في العقود الاخيرة هو نتاج للفتاوي التكفيرية للبيئة الاجتماعية المتخلفة والتدهور في المنظومة التربوية والتعليمية وفي طرائق التعلم والتخلف في التربية الاسرية التي اساسها التخويف والترهيب ومقاومة كل نشاط فكري حديث وكل تعلم جديد ما ينعكس ذلك وبقوة على سلوك وممارسات الابناء، فعلى رجل الدين المتنور ان يقوم بدوره الحقيقي في الوقوف بوجه الخطاب التكفيري والعمل على صناعة وعي ديني حديث وتأهيل الافكار بما ينسجم مع المتغيرات والتطورات في العلم والافكار، على ان وظيفة الدين ضبط وعقلنة التصرفات الاجتماعية من خلال الاستشهاد بالسور القرآنية والاحاديث النبوية التي تؤكد على التسامح والاخوة والمحبة وعدم الاكراه ومناهضة الافكار المتطرفة التي تبيح القتل والالغاء ومحاربة اي فكر او نص يتعارض مع الشرع الانساني وحقوق الانسان والحريات المدنية.