المنبرالحر

اذا سقط المرء صار سياسيا فاسدا / مرتضى عبد الحميد

في جلسة سمر صاخبة، اتفق الاصدقاء الخمسة على عدم التطرق الى السياسة، لانهم ملوا الحديث فيها. بيد ان احدهم اراد التفلسف بعد البيك الثالث، فقال لهم ان عدم الحديث في السياسة هو سياسة ايضاً. لكنهم اوقفوه بحدة، واخذوا ينتقلون من موضوع الى آخر دون رابط او صلة، اي ان العشوائية والمزاجية في الحديث كانت هي السائدة. فمن الادب الى الاقتصاد الى الرياضة الى الطب، الى شتى الموضوعات التي تخطر ولا تخطر على البال، يتحكم في سيرها وتدافعها عدد البيكات وكمية المزة المستهلكة.
لكن انقطاع الكهرباء لفترة تزيد على الساعة اعادهم الى محراب السياسة، بسرعة الملهوف للقاء حبيبته. فقال احدهم: لو يلغون وزارة الكهرباء، سيفعلون خيرا لان وجودها وعدمه سواء بسواء، وربما عدم وجودها سيكون افضل لان ذلك سيوفر مليارات الدولارات لخزينة الدولة، بدلا من ان تذهب الى جيوب الفاسدين والمرتشين.
اجابه الثاني لو كانت الامور بيدي، لالقيت القبض على كل وزراء الكهرباء الذين تعاقبوا على مسؤولية الوزارة منذ السقوط ولحد الآن، ووضعتهم في زنزانة من (الجينكو)، في منتصف تموز او بداية آب ليعرفوا ما يعانيه العراقيون وحجم المأساة التي تلف حياتهم.
قال الثالث وكان اكثرهم صحوا: القضية لا تكمن في استبدال او معاقبة وزراء الكهرباء لان الجميع (منتولين) بالكهرباء، لكنها ليست الكهرباء الحقيقية، ولو كانت كذلك لتخلص العراق من كل الفاسدين والطائفيين. انها كهرباء من نوع ثانٍ، كهرباء اللغف والسحت الحرام، والا اين ذهبت الألف مليار دولار، التي تحدث عنها مسؤولون هم اول اللغافين ويعرفون كل شيء عن بعضهم: "حرامي الهوش يعرف حرامي الغنم".
ان الكثير من حكام الجوار فاسدون ايضاً، لكنهم يسرقون النصف ويعملون بالنصف الآخر مشاريع وخدمات ودعما للسلع الاستهلاكية..الخ، مما يفيد شعوبهم ويحافظ على السلم الاهلي في بلدانهم وهم في ذلك اكثر ذكاء بما لا يقاس من سياسيينا وحكامنا الذين لا يتركون شيئا لشعبنا، ويسيرون به صوب الاملاق والفقر المدقع. مضيفا ان العلة هي في بناء الدولة على أسس خاطئة، فهل رأيتم بناء يستقيم ويصمد امام عاديات الزمن اذا كان الاساس مغشوشا او بني على رمال متحركة؟ فالمحاصصة الطائفية والقومية والعشائرية هي البلاء، وهي المعين الذي لا ينضب في ?نتاج الفساد المالي والاداري والسياسي والارهاب وانعدام الخدمات ومنها الكهرباء طبعاً، وكل شيء في هذا البلد الذبيح.
فلماذا تستغربون في ان يعتلي صهوة الحكم كل من هب ودب، بعيدا عن الكفاءة والنزاهة والوطنية؟ واين الغرابة في جيش الفاسدين والمرتشين، طالما كانت البيئة السياسية والاجتماعية تساعد على انتشار هذا المرض الخطر؟
انتبه الرابع واضاف: الآن فهمت جيدا لماذا يضع المتظاهرون في صدارة شعاراتهم محاربة الفساد والمفسدين؟ ولماذا يصرون على الدولة المدنية واصلاح القضاء وكل مرافق الدولة، وبالتالي إلغاء المحاصصة والطائفية السياسية..
صحا الجميع وبصوت واحد هتفوا: حقاً اذا سقط المرء صار سياسيا فاسداً.