المنبرالحر

التظاهرات والمثقف / د. عمار المرواتي

أظهرت التظاهرات على نحو عام تفاصيل كثيرة تخص المثقف، وطبيعة علاقته بها.. ولا ريب في ذلك، فنحن مثقفون يعانون من نقص حاد في ثقافة التظاهر وسلوكياته، بحكم تربية حياتية كانت ترى التظاهر تجمعا للتأييد فحسب، او أنها مصطلح عسكري ضمن دروس التعبئة في الكليات والمعاهد العسكرية العديدة.
لقد انقسم المثقفون فئات إزاء التظاهر، فمنهم من سكت طويلا، خوفا على مكاسب حققها حديثا، ومنهم من سكت لأن ثقافته ومنجزه عبارة عن وهم إبداع، فرأيناه يسكت ويتخفى، منتظرا موقفا من الحزب الذي ينتمي إليه (ورأي ولي نعمته !!). حتى إذا ما جاء الأمر بالسماح ظهر أمام الكاميرات، وإذا لم تأته الكاميرا استند إلى (السيلفي) لينشر صورته متظاهرا محتجا على سوء أحوال الناس .. (فحاله في حقيقة الأمر لا يحتاج إلا لاحتجاج من نوع آخر ليحسنه أكثر).
وهناك طبعا من نزل إلى ساحة التحرير فورا، حريصا على الإعلان عن تأييده للمطالب متماهيا مع الناس ومتفاعلا .
إن الثقافة والمثقفين في امتحان عسير اليوم، فإما أن يساهموا في تحقيق هدف التغيير فيرتقوا إلى مستوى الأزمة، ويكونوا فعلا حقيقيا في حركة تاريخ العراق الحديث، وإما أن ينكفئوا وينزووا، ثم يتسلل (البعض الكثير منهم) ليتدفؤوا بعباءات القادة .. وينعموا بالمكاسب، وهي رخيصة وإن غلت لأن المفقود من الأمان والرقي والتقدم لا يقدر بثمن، فهو حياة العراق.
إن أكثر ما يلفت الانتباه في مظاهرات العراقيين هو حماسة ثلة من الشباب المؤمنين بالحياة المدنية العلمانية، ممن يعملون بصمت وتعب عظيمين، الشباب الذين حرصوا على رفع الشعارات العابرة للطائفية وضيق الأفق، السامية على كهوف التفكير الظلامية.
أخيرا أود أن أقول إن مظاهراتنا هذه تحتاج إلى المزيد من التثقيف في البيت ومكان العمل، وحلقات اللقاءات العامة والخاصة، وانتداب الفنانين الموسيقيين والشعراء لترسيخ أغنية عراقية وطنية جديدة تتناغم وطبيعة الحدث هذا، بعد أن تلبي الحاجات الإنسانية والوطنية التي تفجرت المظاهرات بسببها.