المنبرالحر

الكراهية في زمن الكوليرا / طه رشيد

الكوليرا مرض يصيب بشكل عام المناطق الحارة مثل « قسمتنه»ولكن ارتفاع درجة الحرارة لا يكفي إذ لا بد من بيئة قذرة ونقص حاد بمياه شرب نظيفة وطعام ملوث حتى تستطيع الكوليرا التغلغل إلى احيائنا والفتك بابنائنا ، وهي تنتقل عن طريق الفم بشكل عام ، لذا أتذكر في نهاية ستينيات القرن الماضي حين انتشرت الكوليرا آنذاك ، كتب إعلان في معظم المقاهي بأمر وزارة الصحة ( الى مدخني النرجيلة: كل واحد يجيب قمجيه وياه )، تفاديا لانتشار المرض عن طريق شفط النركيلة، وخاصة وإنه في ذلك الزمن لم يخترع بعد «البلسم» البلاستيكي الذي يستخدم اليوم من قبل شخص واحد ولمرة واحدة.
مشكلة الكوليرا كمرض تشبه إلى حد كبير مرض آخر يصيب المناطق «الساخنة»! الا وهو الطائفية، فكلاهما «مؤنث» حين لا يكون فاعلا ويصبح «مذكرا» حين ينشط، أي أنه بالعامية خنيث خبيث. وكلاهما يفرق بين الناس، ففي زمن الكوليرا يمنع ترك الأطفال للعب مع بعضهم البعض، وللمزيد من الحذر تقفل المدارس احيانا. وفي زمن الكوليرا وللوقاية منها يمنع التقبيل وملامسة الايدي، حالها حال الطائفية التي يعمد بعض مروجيها الى غسل اياديهم سبع مرات كلما صافحوا مواطنا من دين اخر او من طائفة اخرى! والشبه الآخر هو حاجة الطائفية كمرض لبيئة قذرة كي يكون ناشطا، ولكن بيئته لا تعني الماء والملبس والمأكل بل هذه المرة البيئة الفكرية وايهام المواطن بأن الانتماء للطائفة لا يكفي بل يجب أن ندافع عن هذه الطائفة او تلك، لحد جواز قتل الآخر المختلف، لأنه يتربص بطائفتنا بغية الفتك بها!
غسيل الدماغ الطائفي هذا لم تفعله أية جهة مخابراتية في الكون، لا «السافاك» ولا «السي آي أي» ولا حتى الموساد الصهيوني! فما أتعسها من مرض تلك الطائفية؟
المفارقة الأخرى هو التشابه بعلاج أو الوقاية من كلا المرضين، الكوليرا والطائفية، فالكوليرا تحتاج أن ننظف ابداننا وبيوتنا وشوارعنا وهذا يحتاج بطبيعة الحال لاصلاحات حقيقية وليس كلام جرايد، كما يحدث اليوم. يحتاج بناء صحيحا للبنى التحتية، وخلق فرص عمل للجميع من أجل تحسين ظروفهم الاقتصادية التي ستنعكس إيجابا على ظروفهم البيئية، ونفس الشيء يقال عن الطائفية، فللوقاية منها نحتاج الى نفس عوامل وقاية مرض الكوليرا بخلاف واحد وهو أن الطائفية كمرض خطير يهدد المجتمع والوطن على حد سواء تحتاج إلى عامل آخر وهو التثقيف منذ الصغر على نبذ ما اختلف عليه الأجداد قبل عشرات القرون. علينا أن نتصالح مع انفسنا وان ننظر بعين ثاقبة لتجارب الشعوب التي مرت بمحن كهذه مثل الهند والباكستان ولبنان وغيرها كثير. علينا أن نتعلم من التأريخ لا أن نبقى محصورين بين أوراقه الصفراء. فالطائفية يا كرام لا تمنح الحرية بل تقيدها، وتجعلنا عبيدا وليس احرارا. تبا لزمن تفتك به الكوليرا وتبا لوطن تمزقه الطائفية!