المنبرالحر

احتجاجات ومطالب مشروعة / ثامر الحاج أمين

لا شك أن التظاهرات الأخيرة التي عمّت مدن العراق كانت مفاجئة للكثير، وجاءت متأخرة بعض الشيء، ذلك أن التخبط والفساد والمحسوبية والمحاصصة التي شابت العملية السياسية لم تكن وليدة السنة الأخيرة، انما هي سمة رافقت هذه العملية منذ بداية انطلاقها بعد التغيير في عام 2003، ولكن بسبب الحيف الكبير الذي تعرض له الانسان العراقي جراء تراكم الأخطاء الكارثية التي باتت تهدد كيان الدولة دفع الجماهير الى الخروج عن صمتها والانطلاق الى ساحات الحرية للتعبير عن رفضها العملية السياسية المشوبة بالفساد والنزعة الطائفية.
ان انطلاق التظاهرات بالشكل العفوي وبالحجم الذي شهدناه يمثل دليلا على فشل نظام الحكم في العراق، وفشل أحزابه المتنفذة في ادارة البلد، كما أثبتت بطريقة احتجاجها المتحضرة وانضباطها العالي انها احتجاجات تمثل الشعب كله، وعاكسة للتنوع الفكري والثقافي فيه، كما جاءت التظاهرات لتعبر عن عودة الوعي الذي غاب عن شرائح واسعة من العراقيين، لهذا يعد الحادي والثلاثين من تموز علامة مشرقة أخرى من تاريخ العراق السياسي يمثل تحولا ايجابيا في وعي الانسان العراقي ويؤكد قدرته على اعادة تنظيم أفكاره ولملمة قدراته لمواجهة أعداء الحري?، وبالتأكيد هذا يحسب لمستقبل التظاهرة والمتظاهرين، ولكن يبقى مستقبل التظاهرات عرضة للانتكاس اذا ما ظلت تراوح في أسلوب واحد من الاحتجاج ودون مراجعة وتقييم من قبل الساهرين على ديمومتها وهذا الأمر يتطلب تأسيس قيادة واعية للتظاهرات تعمل على توحيد جهودها وايجاد قنوات اتصال مع المدن الأخرى لتوحيد خطابها وشعاراتها ومطالبها والضغط على الحكومة من أجل الغاء المحاصصة الطائفية واعادة النظر بالدستور والشروع بإقامة الحكم المدني الضامن لحرية وحقوق الجميع.
وبالرغم من أن التظاهرات كانت ومازالت تمثل احتجاجات مطلبية مشروعة تهدف الى اصلاح حقيقي في بنية الدولة والتزمت بضوابط الاحتجاج السلمي المتحضر ولم تسئ الى الممتلكات العامة ولا الخاصة ولم تحتك سلبا بالأجهزة الامنية بل كانت تقدم لها الورود والتحايا معبرة عن نقاء اهدافها وهويتها المدنية الا أن المتضررين من دعوات الاصلاح وقوى الظلام تصدت وبكل ما لديها من خبث وأدوات خطرة لمسيرات الاحتجاج ومحاولة جر المتظاهرين الى ساحة العنف وحرف التظاهرات عن أهدافها السلمية من خلال دس عناصرها للاعتداء على المتظاهرين واجبارهم على ?د فعل مقابل يسيء الى هوية الاحتجاج وخلط الأوراق لزعزعة أمن البلاد وتهديد مستقبله، الا أن هذه المحاولات خابت حتى الآن نتيجة وعي الجماهير بهذه الأساليب المكشوفة والرخيصة، فترى التظاهرات حافظت على تنظيمها وأخذت تزداد انضباطا ووعيا، جمعة بعد أخرى وتبعث برسائل واضحة الى الحكومة تحثها على ضرورة تحمل مسؤوليتها الأخلاقية في حماية المتظاهرين والاسراع في وضع حلول جدية وبرنامج اصلاح حقيقي يحفظ للدولة هيبتها ويجنبها الانهيار والكوارث.