المنبرالحر

المعارضة المسلحة ومخاطر تفكك الدولة العراقية / لطفي حاتم

منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية تعيش المنطقة العربية اضطرابا امنيا وسياسياً متواصلا افرز كثرة من التداعيات الخطيرة على الدول العربية وأمنها الإقليمي أهمها محاولة بعض المراكز الإقليمية ناهيك عن المراكز الرأسمالية في توظيف تلك الهبات الجماهيرية لصالح توجهاتها الاستراتيجية وبهذا المسار فقد أثرت تلك التداخلات الدولية على العملية السياسية الجارية في العراق الذي يعيش أزمة وطنية متواصلة بسبب كثرة من الأسباب السياسية والاقتصادية منها الموقف من العملية السياسية: ومنها الشكل الفدرالي للدولة العراقية وصلاحياته الدستورية، وأخرها استخدام العنف المناهض لسلطة الشرعية الانتخابية.
استناداً الى تعدد أسباب النزاعات الوطنية العراقية وعدم التوصل الى حلول مشتركة فضلاً عن غياب رؤية وطنية لبناء المستقبل السياسي للدولة العراقية أحاول التعرض الى الأسباب المحيطة بالوضع الوطني الشائك عبر المحاور التالية : ـ
1: الاحتجاجات الشعبية وأثرها على النظم العربية .
2: المعارضة المسلحة ومستقبل العراق السياسي.
3: آفاق تطور البناء السياسي للدولة العراقية .
على أساس تلك المحاور أحاول الخوض في الموضوعات المثارة برؤية واقعية تهدف الى تقريب وجهات النظر خدمة لمصالح البلاد الوطنية.
أولاً : الاحتجاجات الشعبية وأثرها على النظم العربية ..
بداية نشير الى إن الاحتجاجات الشعبية أنتجت نظما سياسية جديدة احتل فيها الإسلام السياسي عبر الشرعية الانتخابية مراكز مهمة في السلطة السياسية وبهذا المسار فقد فتحت تلك النتائج الأبواب امام حزمة من المصاعب السياسية / القانونية التي يمكن تحديدها بـالإشكالات التالية: ــ
الإشكال الاول: ـ لم تنتج تلك الاحتجاجات الشعبية نظما سياسية ديمقراطية بل جرى استبدال مفهوم الشرعية الديمقراطية بمفهوم الشرعية الانتخابية .
الإشكال الثاني: إنشطار التشكيلات الاجتماعية العربية الى معسكرين أحدهما يتخذ الإسلام السياسي حلاً لمشاكل البلاد الاجتماعية والاقتصادية ومعسكر آخر يدعو الى اعتماد القوانين المرتكزة على الدستور والديمقراطية السياسية أساساً لحل أزمات البلاد السياسية .
الإشكال الثالث: الانقسام السياسي المشار إليه أفضى الى انقسامات اجتماعية فرعية تحددها أسس طائفية الامر الذي يعرض التشكيلات الاجتماعية الى مخاطر التفكك والتهميش .
الإشكال الرابع: الاحتجاجات الشعبية دفعت بعض الأطراف السياسية الى اعتماد لغة السلاح مقرونة بعمليات إرهابية مرتكزة على الابادة الطائفية ورفض الحوار السلمي لتحقيق مطالبها السياسية .
الإشكال الخامس: ان الاحتجاجات الشعبية ونتائجها السياسية المتمثلة بصعود الإسلام السياسي ساهمت في إحداث تبدلات سياسية على النزاعات الإقليمية وأكسبتها طابعاً طائفيا .
الإشكال السادس: الاصطفافات الإقليمية الطائفية خاصة بعد اندلاع ألازمة السياسية في سوريا انعكست سلبا على تطور العملية السياسية للعراق ووضعته في صلب النزاعات الإقليمية .
استناداً الى تلك الإشكالات تواجهنا الأسئلة التالية: ـ كيف تستطيع قوى العراق السياسية التوصل الى قواسم مشتركة لحل أزمة البلاد الوطنية .؟ وهل تتغلب مصلحة العراق الوطنية على المصالح الحزبية المنبثقة من الرؤى الحزبية والطائفية ؟ .
لغرض الاحاطة بتلك التساؤلات المثارة دعونا نستعرض بتكثيف بالغ تاريخ الدولة العراقية وسمات بنائها السياسي .
بات معروفا أن الدولة العراقية ومنذ نشأتها الأولى اتسمت بتعارضها مع تشكيلتها الاجتماعية / الطائفية / القومية، وبهذا التحديد فان التناقض بين الدولة والمجتمع الذي افرزه الطور الأخير من تطورها ــ الدولة - أدى الى تجذير النزاعات الوطنية بسبب احتكار سلطة الدولة السياسية بيد أقلية استبدادية تشابكت في توجهاتها السياسية الرؤى الطائفية / العشائرية / الحزبية . (1 )
إن تواصل الاستبداد السياسي الطائفي / العرقي في منظومة العراق السياسية أفضى الى خراب التشكيلة العراقية واستعصاء حل تناقضاتها بالطرق السلمية الامر الذي شكل أرضية خصبة للنزاعات الاجتماعية والتداخلات الأجنبية وما نتج عن ذلك من ضياع بناء مرجعية وطنية عراقية قادرة على حل أزمات البلاد السياسية .
ثانياً:المعارضة المسلحة ومستقبل العراق السياسي .
قبل الخوض في مضامين وأهداف قوى المعارضة المسلحة لابد لنا من تسجيل ملاحظتين أساسيتين الأولى منهما أن الروح الفكرية الناظمة لهذه الدراسة نابعة من الحرص على مستقبل العراق بعيدا عن المشاعر التي أفرزها التاريخ الدموي لسلطة الدولة العراقية وثانيهما محاولة تحديد أهداف المعارضة المسلحة ارتباطاً بطبيعة النتائج الجديدة التي أفرزتها التطورات الإقليمية .
على أساس ذلك لابد لنا من تحديد سمات وأشكال المعارضة المسلحة في العراق لغرض حصر السجال بأطره العراقية مستندين في تحليلنا على المعالم التالية: ـ
المعلم الأول:- الهوية الإقليمية للمعارضة المسلحة والتي يمكن تحديدها بــ: ـــ
1: قوى مسلحة وافدة متشكلة من : ــ
أ : قوى طائفية سلفية دولية تنطلق من روح تكفيرية تتغذى من قوى سلفية عربية / إسلامية ومن بعض دول الجوار ويعكس نشاطها المتسم بالإرهاب، المشاركة الإقليمية في تحديد مستقبل العراق السياسي .
ب : قوى سلفية تترابط وتنظيمات ما يسمى بالقاعدة، تعمل لبناء دولة إسلامية في مناطق مختلفة من العالم العربي ومنها العراق.
- ترابط أنشطة القوى المسلحة الوافدة، مع أنشطة إستخباراتية لدول عربية / إسلامية ومؤسسات سلفية دولية تتوخى تحقيق أهداف سياسية تضعها قوى إقليمية / دولية.
2: قوى عراقية مناهضة لنتائج الاحتلال والعملية السياسية نجدها تتشكل من: ــ
أ : أقسام من كوادر الجيش العراقي السابق ومنتسبي الأجهزة الإدارية والأمنية / والاستخباراتية .
ب: فصائل من القاعدة الاجتماعية للنظام السابق وحزب العبث العربي الاشتراكي مناهضة لبناء الشرعية الديمقراطية .
المعلم الثاني: الهوية السياسية / الأيديولوجية:
- روح سلفية تكفيرية واقصائية تنطلق من الفتاوى المغلفة بأطر دينية تتبناها قوى الإسلام السياسي السلفي .
- أفكار قومية مناهضة للبناء الديمقراطي وأركان العملية السياسية تنطلق من عقائد وشعارات مثالية تغترب عن الوقائع التي أفرزها الدستور والشرعية الانتخابية .
- تشارك تيار الإسلام السياسي السلفي والقوى العراقية المسلحة بسمة غياب الأهداف والبرامج الوطنية لبناء مستقبل الدولة العراقية.
إن تحديدنا لطبيعة فصائل المعارضة المسلحة ورؤيتها للنزاع الدائر في العراق يهدف الى التركيز على المعارضة المسلحة العراقية مستبعدين القوى الإرهابية الوافدة بسبب عدم امكانية التحاور معها لعنصرها الأجنبي الوافد من جهة وترابطها مع أجندة خارجية من جهة ثانية . (2 )
على أساس تحديد الهوية الفكرية لقوى العمل المسلح المناهض لبناء الشرعية الديمقراطية دعونا نطرح الأسئلة التالية:ـ
ما هي الأهداف السياسية التي تنشدها المعارضة العراقية المسلحة ؟ . وما هي برامجها السياسية لانتشال البلاد من أزمتها الوطنية ؟ . وأخيراً ما هي رؤيتها البرنامجية لبناء شكل الدولة العراقية وطبيعة نظامها السياسي القادم ؟ .
لغرض تقدير شرعية الأسئلة المثارة أرى التعرض الى محورين أساسيين: الأول منهما تأشير الوقائع السياسية المتحكمة بمنظومة العراق السياسية في الظروف التاريخية المعاشة. وثانيهما ترابط هذه المنظومة بطبيعة الخطاب السياسي للمعارضة العراقية المسلحة.
عند تعرضنا لطبيعة الوقائع السياسية المتحكمة في منظومة العراق السياسية نجدها تتمثل بالحقائق الآتية:
الحقيقة الأولى: أفضت العملية السياسية الى إعادة بناء الدولة العراقية ونظامها السياسي على أسس الشرعية الانتخابيةً والتداول السلمي بين اطراف العملية السياسية.
الحقيقة الثانية: التوافق السياسي بين أطراف العملية السياسية أنتج تقسيما طائفيا / عرقياً للتشكيلة الاجتماعية العراقية .
الحقيقة الثالثة: تداخل التقسيم الطائفي للدولة العراقية ومشاركة الحليف الامريكي في حل الملفات السياسية / الاقتصادية / العسكرية .
إن الوقائع السياسية الأنفة الذكر تزامنت وحراك سياسي في تشكيلة العراق الاجتماعية تمخض عن ظهور كثرة من المؤسسات الأهلية والمدنية المتجسدة بالتشكيلات التالية:
- ظهور الكثير من الأحزاب السياسية، المنظمات المهنية، الجمعيات بمختلف أشكالها وتطور مشاركتها في حياة العراق السياسية.
- تنامي وتطور حزمة من منظمات المجتمع المدني الناشطة في مختلف المجالات السياسية / الاقتصادية مثل النقابات، جمعيات المرأة والحركات الطلابية المختلفة.
- ترسخ وتطور مؤسسات المجتمع الأهلي المتمثل بالمؤسسات العشائرية، والمنظمات الدينية، والمراكز الطائفية.
إزاء هذا الحراك الاجتماعي / السياسي الهائل ومساهمته في الحياة السياسية يواجهنا السؤال التالي: ما هو موقف المعارضة العراقية المسلحة من حرية عمل المنظمات الاجتماعية المدنية والأهلية ؟ .
لغرض الإجابة على التساؤل المذكور دعونا نتابع مضامين وطبيعة الخطاب السياسي للمعارضة العراقية المسلحة المترابط والفكر النظام الاستبدادي السابق .
من المعروف أن شكل بناء الدولة العراقية ومنذ نشأتها كان شكلا مركزياً الامر الذي أفضى الى نتيجتين بالغتي الخطورة على تطور التشكيلة العراقية الأول منهما بناء الدولة القومي المرتكز على العنصر العربي الذي تطور لاحقا الى نزعة عنصرية. وثانيهما غياب الاستقرار السياسي بسبب اندلاع النزاعات الاجتماعية بين الدولة وبين القوى السياسية التي جرى إقصاؤها من المساهمة في حياة البلاد السياسية.
من هذا نخلص الى استنتاج مفاده أن البناء المركزي للدولة العراقية الذي انهد بسبب الاحتلال لم يكن قادرا على شد مكونات التشكيلة العراقية القومية منها والطائفية، لهذا لابد من البحث عن طريق جديد يلبي تطلعات المواطن العراقي، المتماشية مع صيانة حقوق الإنسان والتنمية الوطنية .
على أساس تناقض الدولة الاستبدادية مع مكوناتها الاجتماعية، يواجهنا بالسؤال التالي ما هو برنامج المعارضة المسلحة لحكم البلاد وما هو مشروعها لبناء الدولة العراقية بعد التغيرات التي حصلت في بنائها الفدرالي ونظام حكمها المرتكز على الدستور والشرعية الانتخابية ؟ .
استناداً الى ذلك السؤال الأساسي نحاول قراءة الخطاب السياسي للمعارضة المسلحة العراقية اعتماداً على رؤية أجنحتها السياسية المتضمنة في الخطب والبيانات والمقالات التي تصدر بين آونة وأخرى والتي يمكن إجمال مضامينها بالمرتكزات الفكرية والسياسية التالية:
- التركيز على (مقاومة ) نتائج الاحتلال وتطور العملية السياسية .
- محاربة شخصيات وقادة أحزاب العملية السياسية بوصفهم ( عملاء ) للقوى الخارجية / الإقليمية .
- مقاومة التوسع الإيراني في العراق عبر محاربة امتداداته الطائفية.
- الاهتمام بقضايا الأمة العربية وأهدافها ومصالحها.
إن خطاب المعارضة المسلحة ومضامينه السياسة ينطلق من اعتماد العنف وسيلة أساسية لاستلام السلطة السياسية . وهذا النهج، ورغم خطورته وكلفته البشرية والاقتصادية العالية، إلا انه أصبح نهجا مرفوضا من قبل القوى السياسية العراقية . حيث تشير التجربة التاريخية التي عاشتها كثرة من البلدان: إن اعتماد العنف والروح الانقلابية نهجا سياسيا، بهدف استلام السلطة السياسية يفضي الى النتائج السياسية / الاجتماعية التالية:
- يقود اعتماد العنف بهدف الوصول الى السلطة الى الاحتكار والإقصاء.
- يؤدي احتكار السلطة وإقصاء الخصوم السياسيين الى سيادة العنف والعنف المضاد في الحياة السياسية.
- سيادة العنف والعنف المضاد يفضي الى تفكك التشكيلة الاجتماعية فضلا عن ضياع مصالح البلاد وسيادتها الوطنية.
استناداً الى تلك الرؤية وانطلاقاً من ضبابية البرنامج السياسي للمعارضة العراقية المسلحة نواجه بالسؤال التالي: ما هي رؤية المعارضة المسلحة العراقية إزاء القضايا الرئيسة المتحكمة في بناء الدولة العراقية واعني بها : ـ بناء شكل الدولة العراقية فدرالي / مركزي، طبيعة ومضمون نظامها السياسي وتداوله السلمي، وأخيرا دور الدولة وسياستها الاقتصادية.
إن تحديد الرؤى الفكرية ووضوح الأهداف السياسية لدى الاطراف السياسية، ينطلق من ضرورة مساهمة الجميع في حل أزمة البلاد السياسية التي تتنازعها رؤى سياسية مختلفة، والتي يمكن حصرها في المشاريع:
أولاً: مشروع بناء الدولة على أساس الموازنة الطائفية المرتكزة على تقاسم السلطات الثلاث استناداً الى توافقات طائفية / عرقية بمباركة خارجية.
إن المشروع المشار إليه يمكن اعتباره مشروعاً فاعلا في اللحظة التاريخية المعاصرة، لهذا تتزايد الشكوك من ان يصبح مشروعا سائداً وما ينتجه من ضياع الديمقراطية السياسية، المتركزة على موازنة المصالح الاجتماعية بدلا من المصالح الطائفية / القومية.
ثانياً: مشروع المعارضة المسلحة العراقية المنطلق من احتكار السلطة السياسية والمستند الى استخدام العمل العسكري وما ينتجه من حرب أهلية وتهديم البنى السياسية والاجتماعية للدولة العراقية .
ثالثا: مشروع التقسيم المنطلق من الدستور والمرتكز على بناء الأقاليم، والذي يقود في النهاية الى تقسيم العراق سياسيا وجغرافيا .
إن المشاريع الثلاث المتنازعة على صياغة مستقبل الدولة العراقية ونظامها السياسي تشكل خطرا كبيرا على بناء الدولة العراقية وتماسك تشكيلتها الاجتماعية . ( 3 )
تكثيفاً لما جرى استعراضه نصل الى بعض الاستنتاجات التي أراها ضرورية:
1: بناء الدولة العراقية على قاعدة الوطنية الديمقراطية يشترط الالتزام الفكري / السياسي بالديمقراطية والتنافس السلمي بعد التخلي عن العنف والروح العسكرية.
2: انتقال المعارضة العراقية المسلحة الى الكفاح السياسي السلمي يقود الى تطوير العمل الوطني المناهض لكافة المشاريع الأجنبية و الهادف الى استعادة السيادة الوطنية .
3: إعادة بناء الدولة العراقية على قاعدة الديمقراطية وتوازن مصالح تشكيلتها الاجتماعية / القومية يشكل خطوة أساسية لبناء المصالحة الوطنية الشاملة.
4: التخلي عن الأوهام السياسية والأفكار الأيديولوجية والانتقال الى الحوار الوطني الشامل يشكل ضمانة وطنية لبناء العراق ومستقبله السياسي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :-
1 : ان الدولة العراقية ومنذ نشأتها استندت الى سلطة الأقلية الطائفية والتي جرى تغليفها بصيغ علمانية إلا ان البناء الطائفي الجديد يستند الى تقاسم السلطة على أسس توافقية تتجاذبه الأزمات السياسية .
2 : ان هذا التفريق لا يستبعد التعاون والتنسيق بين الشكلين الأساسيين للمعارضة المسلحة وذلك بهدف الاستفادة من امكانات بعضهما في العمل العسكري المعارض،
3 : لم أتطرق الى المشروع الوطني الديمقراطي الذي يعد مشروعا واعداً بسبب مضامينه الفكرية / السياسية القادرة على حل أزمة البلاد الوطنية وذلك لغرض حصر النقاش بالمشاريع المسيطرة على الوضع السياسي الراهن .