المنبرالحر

هل هي البداية .. أم هم اكباش فداء ؟ / مرتضى عبد الحميد

لم تكن التظاهرات الجماهيرية المندلعة منذ 31 تموز الماضي مفاجئة ولا عفوية كليا. فقد سبقتها تحركات شعبية واسعة, بدءاً من تظاهرات 2011 و2013, وصولا إلى الحراك العمالي في مؤسسات التمويل الذاتي التابعة لوزارة الصناعة, وعشرات الفعاليات القطاعية والإضرابات العمالية, وعدد لا يحصى من الحركات الاحتجاجية, التي اندلعت لأسباب موضوعية تتعلق بفشل الدولة في توفير حياة كريمة ولائقة للمواطن العراقي.
ولم تكن الكهرباء الا الشرارة التي فجرتها, باعتبارها الأكثر استفزازا في مسلسل غياب الخدمات على اختلاف أنواعها. ثم ارتقت إلى المطالبة بمكافحة آفة الفساد المالي والإداري, وإصلاح العملية السياسية, المبنية على رمال متحركة منذ لحظة ولادتها القيصرية على يد النطاسي الفاشل( بريمر).
ان النخب السياسية والثقافية والشرائح الاجتماعية الواعية, التي أخذت على عاتقها تنظيم هذا الحراك الجماهيري, وإضفاء الطابع الوطني والمدني عليه, استطاعت إن تستقطب عشرات ومئات الألوف من أبناء شعبنا, بصرف النظر عن أديانهم, وطوائفهم وقومياتهم, وتلاوينهم الفكرية السياسية, ومن ورائهم ملايين العراقيين الذين لم يسعفهم وعيهم أو وقتهم أو ظروفهم للمشاركة الفعلية فيه. لا كما يصوره المتحذلقون والمعادون للإصلاح في جوهرهم, من أن المتظاهرين لا يشكلون الا نسبة ضئيلة من الشعب العراقي, والسبب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار, وه? إن الأهداف النبيلة التي يطمح المتظاهرون إلى تحقيقها, لا تهمهم وحدهم, وإنما هي لمصلحة الشعب العراقي بكامله, بمن فيه أعداء الإصلاح والمتآمرون عليه, لأنها في المطاف الأخير ستخفف كثيرا من التوترات الاجتماعية, ومن الشعور بالغبن والظلم المسلط على المواطنين من هذه الزمرة المارقة.
لقد جسّد أبطال الحراك الجماهيري, الذي ما زال مستمرا, وسوف يستمر إلى ان يحقق كامل أهدافه, مستوى رفيعا من التحضر والمحافظة على سلمية الظاهرات في ظل أوضاع كارثية وصراعات سياسية عبثية, ما أثار أعجاب الشعوب الأخرى وكل المراقبين والمحللين السياسيين المنصفين.
وكانت الشعارات معبرة بصدق ملموس عن ما تريده وتطالب به الجماهير الغفيرة. لكن استجابة الحكومة والبرلمان كانت بطيئة ودون المستوى بكثير, لا على صعيد حزم الإصلاحات المقدمة من السلطتين التنفيذية والتشريعية فحسب, وإنما على صعيد التطبيق العملي أيضا.
ولا بد أن يثير استغراب الجماهير المنتفضة, ان احد أهم شعاراتها, وهو محاربة الفساد والمفسدين, يختزل إلى محاسبة بعض المسؤولين, كما لو أنهم أكباش فداء لتماسيح الفساد الذين دمروا العراق وشعبه, وسرقوا كل ثرواته, ومزقوا وحدته الوطنية, بإعلاء راية الطائفية والمحاصصة المقيتة.
لا تكفي محاسبة الزرق ورق والمسؤولين الآخرين الذين وردت أسماؤهم, واغلبهم هاربون خارج العراق, فالقائمة طويلة وكبار المفسدين معروفون.
قد تكون هذه الإجراءات مقبولة وموضع ترحيب, اذا شملت (الكبار) أيضا, وإذا لم يكن هؤلاء الملاحقون اليوم اكباش فداء لهم تجري التضحية بهم لامتصاص نقمة الجماهير, والالتفاف على مطالبها العادلة في إزاحتهم ومحاسبتهم, لتبقى هذه التماسيح متنعمة بفسادها وجارة العراق شعبا ووطنا نحو الهاوية.