المنبرالحر

دور المثقف في محرم / عبد الكريم قاسم

من خلال الرأسمال المعرفي الذي يمتلكه المثقفين في فهم الأزمات التي تحيط بالمجتمع الإسلامي، يتمكنوا من تزويدنا بالثقافات والرؤى الأكثر شمولية، من توسيع المدارك نحو المستوى الأفضل، بخصوص الاستقامة والانحراف. يتمكن المثقفون باستخدام أدواتهم في قنوات اجتماعية ترفع من مستوى الاستقامة الى المستوى الذي يدرك المجتمع من خلاله قول الحسين(ع): (إنما خرجت أطلب الإصلاح ).
إذا وعي المجتمع الإسلامي دوره الرسالي، من خلال ترفيع المثقفين لمستوى إدراكه، وتكيفه الاجتماعي، أدرك عندها المثقفون أهمية الرأسمال المعرفي في تحقيق أدوارهم الاجتماعية. بذلك نكون قد أسهمنا في إبلاغ رسالة الإمام الحسين(ع) الداعية الى إحياء معالم الحق وطلب الإصلاح، مما يسبب انقاذ البشرية من المتاهات الفكرية .
إن حالات الانحراف بأنواعها، التي اعترت المجتمع الإسلامي والعراقي، ليست مبررا أمام المثقفين للانطواء على الذات، النكوص، أو تقمص ثقافات غربية أو شرقية دخيلة، أو الاكتفاء بثقافة ذم النفوس. فليست هذه الفوضى التي تشاهد في بلاد الإسلام دليلا على اليأس، بل حالها حال التثاؤب الذي يتصف به الناعس بعد نوم طويل. لقد نام المسلمون طويلا حتى قسمت بلادهم، نهبت أموالهم، هتكت أعراضهم، أريقت دماؤهم، سادت فيهم القوانين الكافرة، عم فيهم الفوضى، الجهل، الفقر، المرض، العداء والفرقة والفساد المالي والإداري ..
تفاعل المثقف في تعاطيه مع عاشوراء ووعيه لحقيقة الأزمات التي تعيشها الأمة، استحضاره لهدف الإمام الحسين(ع) الذي أراد أن يبث روح الإيمان والحق فيها، لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله(ص)، بعدم التخلي عن دوره الطبيعي الواجب تشغيله في ممارسته الاجتماعية إزاء الاستفادة من ثورة الإمام الحسين(ع) وشهادته في عاشوراء.
إن المجتمع بفقده للقيم ومنظومة المعايير، يصبح أفراده متنابذين متأزمين، فتضمحل طاقاتهم، تتردى فيهم روح المحاورة وحرية التعبير، فيلتمسون فضول الحطام ويتنافسون على السلطان، فلا يأمن فيهم مظلوم، لا تعمل بينهم فريضة أو سنة أو حكم.
عمل المثقف لا يقتصر على إيصاله للمعلومات بل عمل تحليلي لواقع المجتمع وأخلاقياته، ولخطورته يفتقد الى منزع بمستوى تظهير القيم العليا وتقديمها للمجتمع. ثقافة عاشوراء التي أرادت تكريس معنى الوجود الإنساني وتحديد الحياة وأهدافها، نجد أنفسنا أمامها وأمام صناعها المبدعين لمضامينها الفكرية العميقة إيمانا وفضيلة وتقوى.
إن الإمام الحسين(ع) عبر نهضته المباركة دل الأجيال على الطريق وأوضح عن السبيل لعلاج مشاكل المجتمع والحصول على سعادة الدنيا وكرامة الآخرة. حينما كان المجتمع الإسلامي يلتزم شيئا ما بتلك التعاليم الإسلامية، كان يعيش العزة والسعادة والرفاه والكرامة، لم يكن يعرف شيئا من هذه المشاكل الموجودة اليوم..بل كان العكس، فالذي كان يعيش هذه الأزمات والمشاكل هم أعداء الإسلام حيث غرقوا حينها في بحار من الجهل والتخلف.
فمن ثقافة عاشوراء، ندرك ،إن الأمة التي تفقد وعيها، أمة متأزمة في علاقتها بدينها وفي بعده الروحي والعقيدي؛ هذان الأمران مترتبان أحدهما على الآخر، فالارتباط الروحي العقيدي يربط أفراد الأمة بأسسها الدينية، ويحرك كوامنهم الرافضة لأشكال الظلم والاستبداد والعبودية إلا لله تعالى، فالدين يدعو الى الفضيلة التي لا يدعوا إليها أي قانون، ويمهد سبيل العيش الرغيد، في جو سلام ورفاه. ان المشاكل الاجتماعية الناجمة عن تفاعل القوى الشريرة في النفوس أخذا وعطاء، لا تكبحها إلا العقيدة، فهي كقتب الناقة وزمامها اللذين يسهلان امتطائها، ويفعل الترغيب والترهيب وبث التفرقة التي برع المعادون في استخدامها فرغت الأمة من محتواها العقائدي.
لا يختلف المثقف عن غيره إحساسا وتفاعلا، لكنه يستطيع توظيف تراكمه المعرفي بما يمتلك من قدرة استخدام أو تحريك آلياته في محاور مبرمجة واقية تنتشل المجتمع من مغبة الانحراف ومخاطر الهلكة.