المنبرالحر

عن الديوانية / قيس قاسم العجرش

مثل باقي المحافظات، ليس بالمستغرب أن تخرج التظاهرات المطلبية في مدينة الديوانية أيضاً. لا يسع حكومتها المحلية أن تدّعي أنها بعيدة عن نظام المُحاصصة وسوء الأداء الذي فوّت الكثير من الفرص في التقدم والنمو.
بل يمكن صياغة هذه الحقيقة بالطريقة التالية لتكون معبّرة بطريقة مباشرة:
الديوانية، هي المدينة الأكثر إحتمالاً لخروج التظاهرات المطلبية، والأولى بها أن تتظاهر طالما إنها تتنافس مع جارتيها، السماوة والناصرية على المرتبة الاخيرة في سلّم الفقر في العراق بنسب تتجاوز 40 بالمئة من سكّانها.
يعني، أن هذه المُدُن وفي مُقدمتها الديوانية قد شهدت استيطان الفقر فيها ونما البؤس الى درجة حفظها في المراتب الأخيرة من معدلات الدخل الوطني.
وهذا يعني أيضاً، أن موازنات التنمية السّمينة التي خُصصت خلال السنوات السابقة للديوانية، مثل باقي المدن، تحوّلت الى أرصفة وجسور مضحكة للمشاة في أماكن غرائبية ومقاولات سهلة التنفيذ وسريعة القبض في معظم الأحيان.
حدّثني أحد رؤساء مجالس المحافظات (بعد أن خرج من منصبه) ان الحكومات المحلية في الأقضية والمدن تميل الى صرف الأموال على مشاريع سريعة التنفيذ في الأعم الأغلب. والسبب هو أنهم يفضّلون (مع المقاولين المرتبطين بهم) المشاريع ذات الانجاز السريع كي لا يتم تدوير المشروع الى سنة لاحقة وبالتالي تختفي تخصيصاته اللاحقة او تتم مناقلتها الى مشروع آخر.
وفي الحقيقة استخدم محدّثي تعبيراً غاية في الأهمية إذ أسماها (الخبزة الحارّة)!.
وكان محدّثي يشير ضمنياً الى أن(الجميع!) مُستفيدون من توزيع هذه العطايا على شكل مقاولات.
طبعاً إن مصطلح «الجميع» بالتأكيد لا يشمل الناس في تلك المحافظات الذين يجري تصنيفهم تحت خط الفقر، وحتى أولئك الذين هم فوق خط الفقر ويعيشون من عرق جباههم. لكن المعنى واضح والمقصود هو جميع القوى السياسية المتنفذة.
بالأمس خرج الناس للتظاهر، والمطالبة بمطالبهم العامة ومن ضمنها مكافحة نفوذ( جميع) الفاسدين وأعوانهم.
والنتيجة كانت ان القوات الأمنية هناك، والمؤتمرة بأمر الحكومة استخدمت هراواتها وأعقاب البنادق في تكسير أيدي بعض المتظاهرين، فقط لأنهم انتقدوا بعضاً مما اعتبرته القيادات الأمنية «من المحرّمات»!.
لدينا هنا من لا يفهم أن العُنف مع المتظاهرين سيزيدهم عدداً ويمنحهم صلابة أكثر.
ولدينا من لا يفهم ان الانتقاد سيشتدّ في المرّة القادمة. وإن المحرّمات ستزول. وإنكم ستستجيبون في النهاية، مُرغمين لا مخيّرين.
لقد سمعنا بحكومات تغيّرت بعد التظاهرات، لكننا لم نسمع بحكومة تغيّر مواطنيها، لا بالعنف ولا بالتخويف ...هل تعلمون أن هذا غير ممكن؟!