المنبرالحر

ثورة المطر / احمد عواد الخزاعي

نزل المطر فجأة على غير عادته من كل عام ، نزل ، بسرعة سقوط أحلامنا في هذا البلد المسكين ، وبحضور فرض نفسه على الجميع كما يفرض الموت نفسه علينا في الأسواق وأرصفة الطرقات وأبواب المدارس ، هكذا نزل المطر في بلدي ، ليغرقنا ، ويطفئ لهيب أحزاننا بالمياه الآسنة ، ويحيل مدننا إلى برك ومستنقعات ، طفت عليها عورات ساستنا الدجالين ،الذين يختبئ بعضهم الآن تحت ردائه الأسود ، ليكمل مسرحية الخديعة التي مارسها على مسرح العراق الجريح لأكثر من عقد .
نزل المطر ليسقط ورقة التوت التي توارت خلفها الوجوه الكالحة، وعلق الفساد التي اعتاشت على دمائنا ، وثروات بلدنا المنهوب في وضح النهار ..
معظم مدن وأحياء شرق دجلة في بغداد تعوم الآن على بحر من مياه المجاري ،ناهيك عن المحافظات الأخرى من البلاد التي تعاني الغرق أيضا ، عشرات الآلاف من الناس محاصرون في بيوتهم الغارقة بالمياه ، نداءات استغاثة ، توجه إلى المسئولين لإنقاذ سكان هذه المناطق .. لكن ما من مجيب .. الدولة تقف الآن عاجزة عن فعل أي شي ، الفساد المالي والإداري وداء المحاصصة أنهكا البلاد، وعكاز الإرهاب الذي تعكز عليه ساستنا لتبرير فشلهم ، قد أصبح جزء من حراكنا اليومي ، نتعايش معه وفق ثنائية غريبة ، نحاول من خلالها التشبث بهامش الحياة ، الدولة اليوم مفلسة وليس لها القدرة على سد مرتبات الموظفين للعام القادم وليس لها القدرة حتى على المناورة، قبل عامين كانوا يمتصون غضب الشعب بمنحة المليونين دينار التي تمنح لأصحاب البيوت التي تضررت بالفيضانات التي خلفتها ورائها مياه الأمطار ، والتي أصبحت بابا آخر من أبواب الفساد، ومرتع للسراق ، ليضيفوا فضائيين من نوع آخر على مشهد الفساد العراقي ، وهم فضائيو الأمطار .
نحن لازلنا في بداية الشتاء ، الذي تعلمنا صغارا ، انه في العراق بارد ممطر شتاء، ولازالت هناك الكثير من الأمطار حسب توقعات الأنواء الجوية ، وأحياء بغداد غارقة بانتظار أمطار أخرى بعد ايام، ستزيد المشهد تعقيدا وتأزما .. فمن المسؤول عن كل هذا البؤس الذي نعيشه .
هل هو العم سام ..؟.
الذي أطاحت دباباته الابرامز بالصنم الذي جثم على صدورنا لعقود، ليستبدله بالفوضى .
أم إنهم سياسيو الصدفة ..؟..التي اوجدتهم ديمقراطية برايمر، وفرضتهم على الواقع العراقي كممثلين وحيدين للشعب العراقي بشيعته وسنته وكورده .
أم الشعب هو المسؤول عما يحصل له الآن لأنه جزء رئيسي من المشكلة ..؟.
اعتقد إن الأطراف الثلاثة للمعادلة العراقية ما بعد الصنم جميعها قد ساهمت بهذا النكوص والتراجع الخطير الذي يشهده العراق الآن ، وان الشعب العراقي يتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية ، لأن المتصدين للقرار السياسي والاقتصادي هم صنيعة عقدنا الاثنية والقومية ، وحتى القبلية .
ستغرقنا الأمطار هذه السنة ، كما أغرقتنا أحزاننا وخيبات الأمل في هذا البلد المنكوب ، وليس أمامنا كشعب سوى خيارات قليلة جدا ، أمام هذا الكم الهائل من المصائب المحيطة بنا .
أما أن نصمت ونلجأ الى الله ليقتص من الذين سرقوا مستقبل أجيالنا، كما كنا ندعوا على الصنم بالأمس القريب ، أو أن نقول كلمتنا كشعب حر يأبى الضيم ويتأسى بالحسين العظيم عملا لا قولا، ونجعل أمطار الشتاء وغرق مدننا ، مفتاح لثورة حقيقية تطيح بالفساد وحيتانه ، كما جعلنا بالأمس القريب من حر الصيف وانطفاء الكهرباء سببا لحركة شعبية ، تسببت ولو بهامش قليل من التغيير .