المنبرالحر

البصرة تُطعمنا شهداً وتشربُ ملحاً ..! / علي فهد ياسين

البصرة (أُم العراق) الحنون، الميناء والخزان الرئيسي والأكبر لثروته النفطية الهائلة، لازالت وستبقى المصدر الأساس لتوفير العيش للعراقيين بأمان (أو بدونه)، لأنها (المنتجة) للمال العام الذي وفر للسلطات السياسية، الاداة الرئيسية لتنفيذ برامجها، منذُ تصدير الشحنة الاولى من النفط العراقي، حتى بيان اليوم الذي أعلنه المتحدث بأسم وزارة النفط، المتضمن كميات التصدير للشهر الماضي التي تجاوزت( 100)المائة مليون برميل، بمعدل(3.657)مليون يومياً، مع (خسارة) تصدير يومي بلغت(550)برميل، متفق عليه مع حكومة اقليم كردستان، لم تلتزم بكميته ولا بتسليم ايراداته، نتيجة الخلافات السياسية بينها وبين الحكومة المركزية في بغداد !.
البصرة، حالها حال المحافظات العراقية الأخرى، لازالت تعاني الجحود والاهمال نتيجة الفوضى السياسية والادارية التي (أنتجها) الاداء المرتبك للنخب السياسية التي تصدرت المشهد بعد سقوط الدكتاتورية، مثلما كان حالها المستهدف بالقمع ونكران الجميل في النظام السابق، لكن(المضاف) الذي يدعو للاسى والتذمر في الواقع الحالي، هو أن(فرسان)الديمقراطية الذين يقودون البلاد، لم يقوموا بواجباتهم لتعويض البصرة وباقي مدن العراق عن السنوات العجاف التي عاشتها تحت سطوة النظام السابق، انما عملوا ومازالوا لمصالحهم الشخصية ومصالح احزابهم، دون مصالح عموم المواطنين.
لا توجد مدينة في العالم (تُعيلُ) شعباً بأكمله مثل البصرة، مثلما لا توجد غيرها من المدن، تتردى أحوال الناس فيها أكثر بمرور الزمن، فالبصرة قبل عشرة أعوام أفضل منها اليوم، والبصرة قبل خمسين عاماً أفضل منها قبل عشرة أعوام، والبصرة قبل خمسة عقود وقبل الف عام حاضرة الدنيا وأُم العرب، ولا نغالي حين نضع أيدينا على قلوبنا من أجل البصرة وأهلها بعد سنوات!!.
أهل البصرة أهلنا، وتأريخها وتأريخ مدن العراق التي(صنع) أهلها الحضارة وأداموها عبر التأريخ مبعثُ فخرنا، وتقدمها على شقيقاتها مدن الحضارة في العراق، بثرواتها التي تُطعمنا شهدا في هذا العصر وما بعده، هي(نعمة) مضافة الى نعمها علينا في تأريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، ومنها مدرستها في اللغة، التي كانت جناحاً لطائرها مع جناح مدرسة الكوفة، ليكون للعربية ونحوها (تحليقاً) عراقياً بامتياز.
البصرة مدينة السياسة والثقافة والوطنية العراقية الاصيلة، المدينة التي قدمت قوافل من المبدعين والمجتهدين من العلماء والمفكرين والقادة السياسيين على مدى تأريخها القديم والمعاصر، مدينة الشهداء والثوار المعارضين للدكتاتورية ورموزها القبيحة، مدينة الشعراء والفنانين والموسيقيين، مدينة الجمال الانساني بكل صوره، مدينة الاخلاق والتسامح والطيبة التي تحولت الى رمز بصري بامتياز، لهذا ولغيره الكثير تستحق منا البصرة الاحترام والامتنان والهيبة .
لقد أنعمت البصرة على السياسيين مناصبهم وعلى تجار الصدفة ثرواتهم وعلى سراق المال العام غنائمهم وعلى المزورين شهاداتهم وعلى الدجالين منابرهم، وعلى من شاء من النفعيين فرصهم !، ومقابل كل ذلك وغيره الكثير لازالت البصرة وأهلها الكرماء الطيبون تعاني ويعانون من حجود هؤلاء جميعاً، وليس أدل على ذلك من تردي الخدمات والبطالة وارتفاع نسب الامراض (خاصة السرطان) بين أهلها، ناهيك عن (عقدة) الماء المالح التي لم تجد لها حلاً، لا الدكتاتورية الساقطة ولا الديمقراطية القائمة، وكأنها مستمرة بفعل فاعلين !، مع أن دجلة والفرات، الساقيان للعراقيين يلتقيان بين أحضانها، لكنهما يحملان في مياههما أملاح العراق (هديةً) لأهلها على كرمهم في أطعامنا الشهد !!.
تحية لأهل البصرة، العنوان العراقي الأبرز للطيبة، وتحية للبصرة المدينة العريقة بتأريخها الانساني الكبير، وسخائها الاقتصادي المعيل للعراقيين في هذا الظرف العصيب وهم يواجهون الارهاب المهدد لحياتهم واستقرارهم ومستقبل أجيالهم.