المنبرالحر

الكتلة البرلمانية كنواة أساسية في تركيبة الجهاز التشريعي للدولة / د. فلاح إسماعيل حاجم

ان التوجه العام في الحياة السياسية لمختلف البلدان في عالمنا المعاصر، باستثناء بعض الدول الشمولية والملكيات المطلقة، المتمثل في الانتقال إلى الشكل البرلماني للحكم، أو زيادة دور البرلمان في الأشكال الأخرى (الرئاسي والمزدوج) تجعل من الكتلة البرلمانية الشكل القانوني الرسمي، التي من خلالها يصبح الحزب السياسي جزء من برلمان الدولة. فيما تعزز الكتلة البرلمانية دور ومكانة الحزب في العملية البرلمانية. وربما يكون من المفيد الإشارة إلى التعريف الذي تضمنه قرار المحكمة الدستورية الاتحادية في ألمانيا والذي ينص على أن "الكتل تعتبر أجزاء ثابتة في تركيبة البندوستاغ.. وهي (الكتل) تعتبر عناصر ضرورية من (الواقع الدستوري) أي انها جزء من نشاط البندوستاغ الذي ينظمه الدستور والنظام الداخلي. وعلى الكتل، العمل بهذا القدر أو ذاك، على تسهيل تنظيم العمل داخل البرلمان".
ان تحوّل الحزب وامتلاكه الصفة البرلمانية يتم عبر آليات متنوعة ربما يكون اكثرها انتشارا تأليف الكتل البرلمانية (الفرقة البرلمانية، النادي البرلماني، المجموعة البرلمانية...الخ). تلك التشكيلات التي يعود لنشاطها الفضل في اكتساب الحزب السياسي لصفة البرلمانية. وتختلف أشكال وأساليب تحديد الوضعية القانونية لتلك التشكيلات، سواء من ناحية تكوينها وتسجيلها الرسمي، أو من ناحية تحديد صلاحياتها والتزاماتها الوظيفية كجزء لا يتجزأ من تركيبة الجهاز التمثيلي - التشريعي للدولة. فيما تكتسب موضوعة تنظيم العلاقة بين الكتلة البرلمانية والحزب السياسي الذي تنبثق عنه تلك الكتلة أهمية استثنائية، ذلك أن الخلط بين الوظيفة البرلمانية والنشاط الحزبي يؤدي، كما تشير اغلب التجارب البرلمانية، إلى تحويل البرلمان إلى ناد تابع للحزب السياسي، وتلك واحدة من سمات برلمان الأنظمة الشمولية المعروفة. أما بخصوص كيفية تشكيل الكتل البرلمانية فأن اسلوبي التمثيل الحزبي واعتماد حجم الكتلة البرلمانية يعتبران الأكثر انتشارا في الوقت الراهن، وخصوصا في البرلمانات المنتخبة وفق مبدأ التعددية الحزبية. فيما يعتبر النظام الداخلي للبرلمان الأساس القانوني لتشكيل الكتلة البرلمانية. فقد عرفت الفقرة العاشرة للنظام الداخلي لأحد مجلسي البرلمان الألماني الكتلة البرلمانية على أنها " مجموعة من النواب ينتمون لحزب سياسي واحد أو لمجموعة من الأحزاب يجمعها هدف واحد شريطة عدم تنافسها في أي من الأراضي (المقاطعات) الألمانية". أما الفقرة 64 من النظام الداخلي للمجلس الوطني السلوفاكي فقد أجازت "اتحاد أعضاء البرلمان في نادي وفق الانتماء الحزبي أو الانتماء للائتلافات السياسية التي انتخبوا ضمن قوائمها".
وهناك معايير غير سياسية ممكن أن تعتمد لتشكيل الكتل البرلمانية منها المعيار المناطقي والنقابي والديني والأثني (القومي والطائفي...الخ) وغيرها من المعايير التي من الممكن أن تحول البرلمان إلى ساحة صراعات لمختلف التكتلات، والتي عادة ما تصب في مصلحة اللوبي لهذه الجهة أو تلك للحصول على امتيازات ضيقة لهذا الطرف او ذاك وهذا ما يمكن ملاحظته بجلاء في الحالة العراقية الراهنة. ان الحالة الواردة أعلاه دفعت بعض الدول إلى منع تشكيل الكتل البرلمانية وفق المعيار الآنف الذكر. فقد نصت المادة ١١٦ من النظام الداخلي لمجلس الشعب البلغاري على انه " لا يمكن تشكيل الكتل البرلمانية التي تدافع عن المصالح الخاصة والمناطقية والنقابية (الوظائفية). ومثال هذه المادة ممكن العثور عليها في الأنظمة الداخلية للبرلمانات كل من أرمينيا وجورجيا وأوكرانيا وفرنسا.
أما المعيار العددي لتشكيل الكتبة البرلمانية فيعني وجود حد أدنى من النواب المنتمين إلى حزب واحد، يسعون لتشكيل تكتل برلماني. وقد اختلفت تشريعات الدول في الوقت الحاضر بخصوص المعيار العددي لأن التطبيق العملي لتحديد هذا المعيار يتطلب الأخذ بالاعتبار مجموعة من العوامل التي تحددها خصوصية هذه الدولة أو تلك ( خصائص المنظومة الحزبية وتقاليدها، النظام الانتخابي المعمول به، مدى أهلية البرلمان للحيلولة دون تفككه من جهة والتعبير عن مصالح مختلف المكونات التي يمثلها نوابه من جهة أخرى). إن تأمين هذا المعيار يتم من خلال تحديد الحد العددي الادني من النواب (في فرنسا ٢٠ نائبا في الجمعية الوطنية و ١٠ نواب في مجلس الشيوخ. في النمسا وسويسرا ٥ نواب...الخ) أو من خلال تحديد نسبة معينة من العدد الكلي لأعضاء الغرفة البرلمانية (٥٪ في البندوستاغ الألماني). وفي بعض الأحيان لا يتم تحديد أي حد أدنى لتشكيل الكتلة البرلمانية، فيما يجوز لأي حزب سياسي حصل ولو على مقعد واحد في البرلمان تشكيل كتلة أو مجموعة برلمانية (أرمينيا والبرتغال). وفي التشريع الروسي تمتلك مسألة معالجة المعايير التي تعتمد لتشكيل الكتل الحزبية داخل البرلمان خصوصية كبيرة. فقد نص النظام الداخلي لمجلس الدوام الروسي (الغرفة السفلى من البرلمان) الصادر في ٢٢ كانون الثاني من عام ١٩٩٨ مع تعديلاته اللاحقة في ٢٠ آذار ٢٠٠٢ على إمكانية تشكيل نوعين من الكتل البرلمانية هما الكتلة والمجموعة (المادة ١٦). فيما تضمن النظام الداخلي ذاته معايير وأسس مختلفة لتشكيل الكتل والمجموعات داخل غرفتي (مجلسي) البرلمان، بغض النظر عن كون غرفتا البرلمان متساويتين من ناحية الوضع القانوني. فالكتلة البرلمانية تشكل على أساس التحالف الانتخابي الفائز بمقاعد مجلس الدوما عن طريق الدائرة الانتخابية الفيدرالية، وكذلك من النواب الراغبين في المساهمة بعمل هذه الكتلة ويتم تنظيم وضعيتها القانونية بغض النظر عن المعيار العددي. اما أعضاء مجلس الدوما الغير منظمين لأي كتلة فبإمكانهم تشكيل المجموعات، على أن لا يقل عدد أعضاء المجموعة عن ٣٥ نائبا.
إن تحليل قاعدة النظام الداخلي لمجلس الدوما المذكورة تتيح لنا الاستنتاج حول غياب معيار الانتماء الحزبي عند عملية تشكيل الكتل البرلمانية في المجلس، حيث يحل محل الانتماء الحزبي التحالف الانتخابي التي توضح التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية إلى أن الأخير (التحالف) يعرف على انه "حزب سياسي، أو أي تنظيم سياسي آخر، أو حركة، تشكل وتسجل في وزارة العدل وفق القوانين السارية في روسيا الفيدرالية.
وينبغي الإشارة إلى أن أي تعديل في النظام الداخلي للمنظمة الاجتماعية يهدف الى منحها وضع المنظمة السياسية يجب تسجيلها قبل عام من يوم الاقتراع (المادة ٣٢ من القانون الفيدرالي الصادر عام ١٩٩٩"حول انتخابات مجلس الدوما للجمعية الفيدرالية) . ويبدو الهدف واضحا من المادة المذكورة وهو حصر حق المساهمة في الانتخابات بالأحزاب والمنظمات السياسية، كخطوة أولى لحصرها فقط بالأحزاب السياسية.
اما فيما يخص المجلس الاتحادي (الغرفة العليا في البرلمان) فقد نصت الفقرة ٣ من المادة ٣ لنظامه الداخلي الصادر عام2002على عدم جواز تكوين أي كتل أو مجاميع في المجلس. ويعود ذلك إلى أن تشكيل المجلس الاتحادي لا يتم عن طريق الانتخابات العامة المباشرة وليس لأعضائه أي انتماءات حزبية.
ومثلما اختلفت التشريعات في مسألة تشكيل الكتل البرلمانية، فإنها اختلفت أيضا في موضوعة إنهاء عمل الكتل البرلمانية. لكن المعيار الرئيسي لذلك هو تقليص عدد أعضائها إلى ما دون الحد الأدنى المقر قانونا. وفي بعض الحالات يثبت قي الأنظمة الداخلية حق الكتلة البرلمانية بحل نفسها. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يعتبر أساسا لحل الكتلة البرلمانية فقدان أعضاء الكتلة العضوية في البرلمان بسبب اعتبار الحزب، أو الأحزاب التي ينتمون اليها غير دستورية بناء على قرار المحكمة الدستورية الفيدرالية. وفي جميع الأحوال فان إنهاء عمل الكتلة البرلمانية ينتج عنه إنهاء عمل أعضائها في الهيئات واللجان القيادية للبرلمان. أما في روسيا فقد عالج النظام الداخلي لمجلس الدوما هذه المسائل بشكل جزئي. فالفقرة ٣ من المادة ١٨ منه تنظر في مسألة الإنهاء المبكر لنشاط المجموعة البرلمانية خلال شهر، ولكن فقط بسبب تقليص أعضاءها إلى ما دون الحد الأدنى المقرر (ليس اقل من ٣٥). فيما لم يتضمن النظام الداخلي أية إشارات عن إمكانية اندماج، انقسام أو استقلال المجموعة البرلمانية. أما فيما يخص الكتلة البرلمانية فان النظام الداخلي لا ينظر في إمكانية إنهاء عملها مبكرا، الأمر الذي يعني أن فترة عملها مرتبطة بمصير البرلمان ذاته. وتكتسب المجموعة او الكتلة وضعها القانوني مباشرة بعد تسجيلها، الأمر الذي يتيح لها ممارسة اختصاصاتها المثبتة في النظام الداخلي للبرلمان، والتي تؤهلها لأن تصبح عنصرا أساسيا في بنية جهاز الدولة التشريعي الأول ويتيح لأعضائها إمكانية العمل النشيط في بناء ونشاط ذلك الجهاز.