المنبرالحر

طير الحمام / عريان السيد خلف

بعد ان اجتزت الصف الرابع الابتدائي جلب لي ابن عمتي زوج حمام هدية في مناسبة نجاحي. وكانت هذه الهدية اثيرة بالنسبة لي رغم امتعاض والدي وعدم رغبته في ان اتحول الى هاوٍ لتربية طيور الحمام أبان تلك المرحلة العمرية التي تتشرب كل شيء والتي هي خليط من الطفولة والصبا.
ورغم اني كنت احظى برعاية ابوية حانية وصارمة في آن واحد، الا ان الوالد انذرني أن اكتفي بهذه الهدية وان لا اطمع في اكثر من زوج الحمام. وهكذا وضعت هذه الحمامات في غرفتي الخاصة والصغيرة في بيتنا الكبير المفروش "بالفرشي". وكانت غرفتي الخاصة تحتوي على سريري وديلاب ملابسي ومنضدة عليها كتبي وبعض لوازمي المدرسية. وضعت صفيحة للحمامات في شباك غرفتي غير النافذ في الجدار ووضعت على بابه طابوقة اشبه بالعتبة. وكان الشباك بجانب منضدتي الصغيرة التي اكتب عليها واجباتي المدرسية واقرأ عليها كتب طرزان وغيرها من قصص الاطفال آنذاك.
في اليوم الثاني اشتريت نصف كيلو من الحنطة للحمام واخذت اهتم بهديتي الاثيرة. كانت الانثى بيضاء كالثلج وكان لون الذكر بنفسجياً اما رأسه وذيله فهما ابيضان، لكنه على الدوام يدور ويقر.. ويتحرك من عشه الى منضدتي.
بعد فترة رأيت هذا الطائر يلتقط اعواداً في الغرفة ويحملها الى انثاه التي كانت داخل الصفيحة وكأنما يبني بيتاً بعناية تامة، وهكذا رحت اخفف عنه عبء البحث وجلبت له اعواداً من حصيرة بالية داخل البيت ونثرتها في الغرفة وراح يلتقط منها الواحد تلو الآخر ليدخلها الى سيدة بيته. وبعد ان اكتمل العش فوجئت في اليوم الآخر بوجود بيضتين صغيرتين فيه. فرحت فرحاً شديداً وخرجت لاسرد على اصدقائي الاولاد ما حدث. ولم تمض اسابيع قليلة حتى فوجئت بوجود فرختين صغيرتين تحت اجنحة الام التي راحت تزقهما بمنقارها سائلاً او خليطاً مما تأكل.
كان طائر الحمام الذكر واقفاً عند باب الصفيحة حين مددت يدي اردت اخراج الافراخ من تحت امهما. وفوجئت بانه انقض على يدي بضراوة وراح يغرز منقاره في يدي ويضربني بجناحه كملاكم متمرس مما جعلني ارتد عن محاولتي. لكن ذلك اثار غضبي وجعلني امسك بخناقه واطبق على رقبته بقوة كرد فعل. وبعد ان هدأ غضبي تركته واعدت الكرة، لكنه من جديد قاومني بضراوة اشد وكأنه يقول انا اتحداك. وهكذا امسكت به من جديد واعتصرته وكذلك اطبقت بأصابعي على رقبته حتى كاد ان يموت فأطلقته. وعندما افلت من يدي ترنح يمنة ويسرة ثم استعاد وعيه وقفز الى باب عشه وراح يقر ويدور ويرفع جناحيه متحدياً.
وقد جعلني هذا الحماس وهذا الاصرار احترمه واتركه، اعجاباً بشجاعته وبعد ان تعلمت منه ان شرف الكائن في تحديه ومقاومته ودفاعه عن بيته وعياله.
هكذا علمني طير الحمام.