المنبرالحر

احتجاجات واسعة سعة المطالب / جاسم الحلفي

لن ينجح استخدام القوة في إنهاء حركة الاحتجاج. لن يتراجع صاحب حق عن المطالبة بحقوقه مهما استخدم ضده من أساليب الضغط والإكراه. لن يكف من قطعت رواتبهم منذ 13 شهرا عن الالحاح على تلبية حقهم المشروع.
من جانب آخر لا يشرف احدا الاعتداء يوم 12/1/2016 على موظفي هيئة الأعمار التابعة لديوان النجف، وإجبارهم على فض اعتصامهم بالقوة، وباستخدام العصي الكهربائية والهراوات، وحيث جرى سحل وضرب عدد منهم على يد قوات تابعة لطوارئ المحافظة. فهؤلاء أصحاب مطلب مشروع لا يمكن التهرب منه، وهم لم يلجأوا الى الاعتصام السلمي الا بعد ان تظاهروا مرات ومرات .. من دون نتيجة!
ان عدم الاستماع الى المحتجين لا يجدي نفعا، وعدم الاستجابة الى مطالبهم هو الفشل بعينه. وان من يسعى الى طمس الحقوق عبر الضغط والاكراه واستخدام القوة والقهر، انما هو عاجز يتهرب من حل مشكلة عبر التورط في مشكلة اخطر منها، تتمثل في الاعتداء على حرية الانسان وحقه في التعبير السلمي. ويبدو انه غابت عن ذهن من يلجأ الى القوة والاعتداء، التجربة المريرة القاسية ايام الدكتاتورية، التي عانى منها شعبنا ولم تجلب له الا الويلات. والعجيب ان يجري اللجوء الى اساليبها الهمجية في زمن لنا فيه دستور، يضمن بابه الثاني الحقوق والحريات والضمانات الاجتماعية.
يغيب عن بال اصحاب القرار الذين اوعزوا للقوات في النجف بالاعتداء، ان الازمة ستبقى ما دامت عقول السلطات لا تغادر منهج دفن الرأس في الرمال، كي لا تبصر الازمة العميقة وتداعياتها الكارثية. فلا يستطع البطش مهما بلغ من القوة، ان ينهي حركة الاحتجاج التي هي واسعة سعة المطالب العادلة التي يرفعها الشعب المطلوب تجويعه، عبر سياسات انتجت الفساد والبطالة والامية والامراض.
لم يكن موظفو النجف الوحيدين الذين تظاهروا في ذلك اليوم، بل شاركهم موظفو عقود تنمية الأقاليم في محافظة واسط، الذين احتجوا ضد فرض إجازة إجبارية عليهم لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، مطالبين بتسليم رواتبهم المتوقفة منذ أكثر من سنة.
وفي صباح اليوم ذاته، تظاهر منتسبو شركة نفط الجنوب امام فندق الشيراتون في البصرة، حيث كان يقيم رئيس الوزراء في زيارته الى المدينة، وطالبوا بإصلاح الوضع في القطاع النفطي وحل مشكلاته، وبصرف مستحقاتهم المالية المتراكمة منذ عام 2013.
ليس هناك توقع بان تنفض الاحتجاجات، بل المرجح ان تتسع قاعدتها، لان الاسباب التي دعت الناس الى التظاهر ما زالت قائمة، فيما تشتد الازمة وتتفاقم. ذلك انها ازمة عامة تقع في اساس بنية النظام السياسي، وسببها المحاصصة والفساد. وليست الازمة الاقتصادية والازمة المالية سوى بعض من اوجهها وتجلياتها.
ان الحل ليس مستعصيا اذا ما توفرت إرادة سياسية حقيقية للإصلاح. فالازمة واسبابها قد تم تشخيصها، والحلول اصحبت معروفة. لكن الاقدام على الحلول هو الغائب، وان اي تأخير لن يكون في صالح الوضع والاستقرار والسلام.
ان حل الازمة الاقتصادية ممكن عبر تنويع الاقتصاد العراقي و مصادره، ومغادرة الاعتماد على النفط حصرا. وهذه ليست عملية صعبة. انما الصعوبة تكمن في عدم وجود إرادة ولا ادارة تمتلك الرغبة الحقيقية في عملية الإصلاح، والقدرة على اتخاذ قرارات جريئة وصارمة لإخراج البلد من الأزمة.