المنبرالحر

الوزير والاشتراكية وأبو حنيفة / ابراهيم الخياط

بعد نهار عمل مضن، وبعد رحمة ساخنة من «الكيزر» الفذّ، كنت مساء الأحد الماضي مسترخيا وممددا رجليّ على «الكرويته» أتفرج على القنوات الفضائية. فأوقفت مؤشر الريمونت على قناة «الرشيد» التي كانت تبث برنامجا تلفزيونيا غريبا. ومبعث الغرابة أن ستة إعلاميين من ست قنوات فضائية كانوا يحاورون وزير النقل، وقد عرفت من هذه القنوات «السومرية» و»العراقية» بجانب «الرشيد». وكانت الهيبة طاغية حيث حزمة من الاعلاميين في ناحية، ووزير النقل نفسه في الناحية الأخرى. والرجل كان وزيرا للإسكان مرة، وللمالية مرة، وللداخلية مرة اخرى، فهو على حد تعبير احدهم «سوبرمان وزاري بامتياز». وبتأثيرالهيبة المهيبة بدأت أعدّل من جلستي، وسحبت رجليّ، وأبدلتُ استرخائي بانتباه للبرنامج الذي ارتدى ثوب المؤتمر الصحفي.
أبهرني الوزير في حديثه، وأفرحني أيضا. فمرة يخبرنا أن خط السكة الحديد (بغداد - البصرة) يجب أن تكون سرعة قطاره ٢٠٠ كم في الساعة، ومرة يقلل من فشل تاكسي بغداد النهري ويراهن على نجاحه مادام تاكسي البصرة قد نجح، ومرة يبشرنا أن الوزارة قد حوّلت سلطة الطيران من نمر ورقي الى نمر حقيقي. كما راح يربط بين سلبيات العمل وإرث الوزارة السابقة والحكومة السابقة. ولشدّ ما أبهجني، وأجزم أنه أبهج الملايين غيري، تأكيده أن الرواتب باقية وتدفع كل شهر للموظفين جميعا. ودعا الناس الى أن تطمئن، وأنا حقا وحقيقة شعرت بالاطمئنان بعد قوله هذا.
وتحدث - أيضا - عن الضوابط الجديدة للعقود مع شركات الطيران والناقلين الجويين، وهي ضوابط أقل ما يقال عنها أنها جيدة جدا، وهدفها راحة العراقي في سفره وترحاله.
ولكن لم أشعر الا وقنبلة قد انفجرت في البرنامج عندما قال الوزير:
- أنا أدعو الى الاستثمار (وكررها مرات ثلاث)، ولا أخفيكم اني أعاني من أصحاب العقول الاشتراكية، وبدوري سأتصدى لهم بل وأحاسبهم وأعاقبهم. فالعراق لا ينهض ما دام فيه من يفكر بعقلية اشتراكية.
وهنا عدت الى استرخائي الأول، ومددت رجليّ ثانية، وتذكرت الإمام أبا حنيفة النعمان.
كان ابو حنيفة يجلس مع تلامذته في المسجد، وكان يمد رجليه بسبب آلام في الركبة قد أصابته، وقد استأذن طلابه لأجل ذلك.
وبينما هو يعطي الدرس مادّاً قدميه الى الأمام، إذ جاء إلى المجلس رجل شيخ فجلس مع طلابه. وما كان من أبي حنيفة إلا أن عقص رجليه إلى الخلف ثم طواهما وتربع، وكان يعطي درساً عن دخول وقت صلاة الفجر، والطلاب يكتبون والضيف يراقبهم وينظر إليهم. فسأل دون سابق استئذان: يا أبا حنيفة إني سائلك فأجبني ان كنت عالما يُتَّكل عليه في الفتوى، متى يفطر الصائم ؟.. فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس.
رد الرجل: وإذا لم تغرب الشمس يوما، فمتى يُفطر الصائم ؟!
عندها قال أبو حنيفة قولته الشهيرة التي ذهبت مثلاً:
- آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه..