المنبرالحر

عن الفشل ومسؤوليته / محمد عبدالرحمن

كثر الحديث في الفترة الاخيرة عن حالات الفشل في بناء الدولة وادارتها منذ التغيير في 2003 ، وبادر عدد من المتنفذين الى الجلوس على كرسي الاعتراف ، والبوح بحقيقة تحملهم المسؤولية. لكن هذا غالبا ما يعمم بالقول مثلا ان كل من كان في موقع المسؤولية ، في السلطة التنفيذية او التشريعية او القضائية هو فاسد ، وذلك في محاولة للتغطية على الفاسدين الحقيقيين ، الذين ما زالوا يصولون ويجولون رغم اعتراف بعضهم « بعظمة لسانه « بانهم فاسدون ومرتشون .
وفي مقابل هذا هناك من لا يريد ان «ينزل عن بغلته» وما زال «يواكح» ويتحدث عن انجازات دون كيشوتية ، لا وجود لها الا في خياله ، فيما الصحيح هو العكس تماما. فهذا البعض الذي لا يريد ان يعترف بالحقائق ويكابر ، هو في مقدمة من قاد الى هذا الفشل الذي يلمسه المواطن يوميا، وفي ما يكتب وينشر من تقارير عالمية ، لعل آخرها ما صدر عن منظمة الشفافية الدولية بشأن تفشي وباء الفساد في جسد الدولة والمجتمع العراقيين .
لا بأس ان تأتي هذه الاعترافات والاقرار بالفشل متأخرة ، ولا بأس ان تعلن حزم من الاجراءات الاصلاحية ، مثلما اعلن الاربعاء الماضي رئيس اقليم كردستان عن حملة اصلاحات في حزبه ، الحزب الديمقراطي الكرستاني. ولكن في كل الحالات والاحوال تبقى العبرة دوما في ما اذا استخلصت الدروس والعبر الكافية من ذلك ، وما اذا ستجد تلك الحزم طريقها الى التنفيذ العادل والمتساوي والذي يشمل الكل ، سواء على الصعيد العراقي بمجموعه ام على صعيد الاقليم.
نعم هناك حالات فشل بيّن لا يمكن تغطيته ، مثلما لا يمكن حجب نور الشمس بغربال ، وما من شيء الا وبات معروفا بعد ان سقطت ورقة التوت عن المتنفذين وبانوا على حقيقتهم ، ملتحفين بما ارتكبوه من خطايا ، الحقت ضررا بليغا بالشعب والوطن ، وبمستقبلهما .
الفشل لم يتسبب فيه احد قدم الينا من المريخ ، بل هم اشخاص متنفذون لهم صولاتهم وجولاتهم منذ 13 سنة ، وخلالها جرت متغيرات عدة. فلم يعد هؤلاء كما كانوا في 8 نيسان 2003 ، حيث كبرت الكروش ، وارتفعت « ناطحات السحاب « ، وتدافع القسم الاعظم منهم على المواقع والكراسي ، وعلى المصالح والنفوذ . وهؤلاء هم افراد وجماعات واحزاب وكتل سياسية ، عرفت في لحظات ملتبسة من « اين يؤكل الكتف « .
ومثلما سبقت الاشارة ، ليس صحيحا القول بان الكل فاسد ، وان كل من اصبح عضوا في مجلس النواب هو سارق ، وكل من تسنم موقعا وظيفيا في الدولة اعطى اجازة لضميره ، وتصرف حسب ما يشتهي في ما يخص المال العام. نعم ، ليس الكل مسؤولا عن الفشل الاكيد الذي اخذ يضيق الخناق على الدولة .
وبعد ، ماذا تنتظر الناس ، وقبلهم الاجهزة والسلطات المعنية وفي المقدمة القضاء ، من الفاشلين والفاسدين والمرتشين ، سواء اعترفوا هم بذلك ، ام ما زالوا تأخذهم العزة بالاثم ، وبعد ان اصبحت كل الحقائق جلية واضحة ؟ فوسط هذا الكم الهائل من الخراب تبرز الحاجة الى خارطة طريق تفضي الى التغيير الشامل والجذري الذي يطال اس المحنة والبلايا ، ومنهج ادارة الحكم ، شرط توفر الارادة والتصميم والرغبة الصادقة والقدرة على اتخاذ قرارات جريئة ، فيما الكرة الان في ملعب الناس والجماهير لتنظر بعمق الى مصالحها ومستقبلها ، وتقول كلمتها الفصل .