المنبرالحر

التدخل العسكري السعودي المحتمل في سوريا ..ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة / احمد عواد الخزاعي

منذ عام تقريبا والمملكة العربية السعودية تخوض حربا ، باهظة التكاليف، مع عدو لا يمتلك سيتراتيجية عسكرية تقليدية لمواجهتها ، هذه الحرب التي استنزفت الخزينة السعودية المتخمة بإيرادات البترول ، كونها تعد من اكبر دول العالم في كمية تصديره، حيث يبلغ إنتاجها المصدر منه، أكثر من سبعة ملايين برميل يوميا ، ومع انخفاض أسعاره منذ أكثر من عام ووصولها إلى عتبة الانهيار، لجأت المملكة لسحب احتياطها المالي وبعض ودائعها في الدول الأوربية، وكذلك سحب ثمانين مليار من احتياطي العملة الأجنبية لديها، لتسد تكاليف هذا المستنقع الذي دخلته بملأ إرادتها ، كردة فعل غير محسوبة على الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية ، ولخشيتها من وصول النفوذ الإيراني إلى حدودها الشمالية المتمثل بالحوثيين المعتنقين للمذهب الزيدي ، والذين يحسبون على الشيعة، ويعدون جزء من المجال الحيوي الإيراني في المنطقة، بسبب ارتباطهم العقائدي معها .
وقد بلغ العجز في الميزانية السعودية لعام 2015 ثمانية وتسعين مليار دولار ، وهو اكبر عجز مالي سجل في تاريخ المملكة السعودية منذ تأسيسها .. وفي تقرير صدرا مؤخرا لصندوق النقد الدولي يشير إلى أن ، في حال استمرار انخفاض أسعار النفط بالشكل الذي عليه الآن ، والذي تشكل إيراداته تسعين بالمئة من الدخل القومي السعودي ، فان المملكة العربية السعودية لن تصمد أكثر من خمس سنوات قادمة ، وبعدها ستفقد السعودية كل ما لديها من سيولة نقدية ، ويرجح صندوق النقد الدولي أن يستمر العجز في الميزانية السعودية لعام 2016 ، وتوقع أن يبلغ 130 مليار دولار.
وتعد حرب اليمن من أهم واكبر الأسباب في هذه الضائقة المالية التي تمر بها المملكة السعودية ، نتيجة حالة الاستنزاف الغير المجدية التي وضعت نفسها فيها، في محاولة منها للهروب إلى الأمام ، وإيجاد لها موطئ قدم في دائرة الصراع الدولي والإقليمي القائمان الآن في الشرق الأوسط ، والدخول كمنافس حقيقي على السيطرة والنفوذ بالمنطقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية .
وقد بلغت خسائرها في هذه الحرب ، حسب تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية نقلا عن تقرير للمخابرات الأمريكية CIA ، إن الجيش السعودي تكبد خسائر في الأرواح تقدر بأكثر من ألفين وثلاثمائة جندي ،وستة وثلاثين ضابطا ، واثنين وعشرين جنرالا من الرتب العليا، إضافة إلى مئات الجرحى ، أما خسائرهم في المعدات فقد بلغت ،أكثر من سبعمائة آلية بين دبابة ومدرعة ومجنزرة .
غير أن الملفت للنظر هو التوجه الخطير والغير مسبوق الذي لجأت إليه السعودية كتكتيك سياسي تقف ورائه تحركات عسكرية مريبة، تمثلت بالاستعراض العسكري الذي أجرته لقواتها من الجيش والشرطة قرب الحدود العراقية من جهة المحافظات الجنوبية الشيعية ، وكذلك إعلانها في نفس الوقت عن عزمها على المشاركة البرية في الحرب الدائرة في سوريا بين الجيش السوري والقوات المتحالفة معه ، والمجاميع والمنظمات الإرهابية المتمثلة بداعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام وجيش الفتح وأحرار الشام وغيرها ، والتي تسمي السعودية وحلفاؤها الغربيون البعض منها (بالمعارضة المعتدلة).. وستكون هذه المشاركة التي رحبت بها الولايات المتحدة الأمريكية تحت ذريعة محاربة داعش هناك .
إن هاذين التحركين الخطيرين يمثلان توجها جديدا في السياسة السعودية له تفسيرات عدة ، في ضوء الأزمتين السياسية والمالية التي تعيشهما المملكة حاليا ، احدى هذه التفسيرات وأهمها ، هي محاولة السعودية الخروج من عنق الزجاجة ، من خلال عملية ابتزاز سياسي تلعبها ، على أمل الحصول على ورقة ضغط سياسي ، لتضعها في يد وفد المعارضة الذي يمثلها في مفاوضات جنيف ، بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في محور مدينة حلب وتحريره لمعظم المناطق المحاذية للحدود التركية وأهمها مدينتي ( النبل والزهراء )، والهزيمة الكبيرة التي منيت بها الجماعات الإرهابية والتي أفقدتها الكثير من أوراق التفاوض هناك ،وجردتها من عوامل ضغط قد تحصل من خلالها على مكاسب في هذه المفاوضات .. لان المملكة العربية السعودية لا تستطيع الدخول في مغامرة عسكرية ثانية في المنطقة ، وليس لها الإمكانات العسكرية البرية التي تؤهلها لخوض حرب مفتوحة مع الجميع ، وأولهم الجيش السوري والقوات المتحالفة معه ، إضافة إلى إن هذه المواجهة قد تجر أطرافا دولية كبيرة إلى إليها وأولهم روسيا ، التي صرح رئيس وزرائها ، بان التدخل السعودي في سوريا قد يجر الى نشوب حرب عالمية ثالثة .
أما التفسير الآخر وهو الأقل احتمالا .. هو أن السعودية تريد بالفعل إدخال قوات عسكرية إلى سوريا ، لمسك الأرض ومساعدة حلفائها من المعارضة السورية ، وتمكينهم من إيجاد موطئ قدم تمكنهم من تنفيذ مشروعهم في إسقاط النظام السوري وإقامة نظام موال لدول الخليج والغرب يحمل صبغة طائفية تنتمي إليها ..وهي بذلك ستجبر إيران على الدخول في هذا النزاع بصورة مباشرة ، لمواجهة التحدي الخطير الذي يمس مصالحها في المنطقة ، وبذلك تحقق السعودية ما كانت تصبو إليه ، وتجعل إيران تخسر في تدخلها هذا ، الكثير من المكاسب التي حققتها في اتفاقها النووي مع دول الغرب ، وكذلك الانفتاح الكبير الذي شهدته علاقاتها مع الدول الأوربية الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا .
المنطقة تقف الآن على فوهة بركان قد يغرق العالم بحممه ولن يسلم منه أي طرف إذا ما انفجر ، تحت أي ذريعة او سبب كان ، وان التدخل المحتمل للسعودية في سوريا ، سيأخذ مديات كبيرة وواسعة تتجاوز المساحة الجغرافية لسوريا والمنطقة ، ويكون صداه بدخول دول كبيرة لهذا الصراع ، بعيدة جغرافيا لكنها ستجد نفسها تدخل مرغمة في حالة الاصطفاف السياسي والعسكري الذي سيشهدها العالم ، مثل الصين وكوريا الشمالية وبعض دول أمريكا اللاتينية ، التي تتخذ موقفا معاديا للسياسية الأمريكية الامبريالية في العالم ، إضافة إلى ان الوضع العراقي سيتأثر بصورة مباشرة بما سيحدث ، وسيجد العراق نفسه طرفا رئيسيا في هذا الصراع ، بغض النظر عن موقف حكومته اتجاهه ، التي ستخضع للامتلاءات الأمريكية في حينها ، وذلك لان الكثير من القوى السياسية الشيعية والأجنحة العسكرية التابعة لها في العراق ستتصرف بمعزل عن إرادة الحكومة العراقية ، لتتصدى لهذا الخطر الداهم ، لمعرفتها المسبقة ، فيما إذا نجح هذا المخطط في سوريا ، فان العراق سوف يكون الخطوة الثانية للسعودية وحلفائها ، في محاولة منهم لإعادة ترتيب البيت السياسي والوضع الديموغرافي في العراق، وفق رؤى طائفية ، سيكون الخاسر الأكبر فيها شيعة العراق .
أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها لا تريد أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من الخطورة حفاظا على مصالحها في المنطقة ومكانتها الدولية ..لذلك ستسعى على إبقاء هذه النية السعودية تعمل في حيز التهديد والابتزاز للحكومة السورية من جهة ولروسيا وإيران من جهة أخرى ، لنيل بعض المكاسب السياسية التي قد تحفظ ماء وجهها بعد فشلها في اليمن وسوريا .