المنبرالحر

انهم يستحقون الافضل ! / محمد عبد الرحمن

عانى ابناء المناطق التي ابتليت بداعش ، ومن قبلها القاعدة ، الكثير من المصاعب والالام والمآسي ، فالملايين قد غادرت مضطرة مساكنها ومدنها وقراها وهامت في العراء ، ولم توفر لها خيم النزوح الحد الادنى من متطلبات الحياة ،ولم تقها برد الشتاء وإمطاره، ولا حرارة الصيف اللاهب. وفقد العديدون حياتهم وكانت معاناة كبار السن والاطفال مضاعفة . ولم يقدم لهذه الملايين الا القليل من العون والدعم . والحديث هنا يشمل الحكومة ومؤسساتها. فيما وضع البعض ضوابط للحؤول دون دخول الفارين من جحيم داعش، الذين ظلوا موضع شك ومراقبة، حتى أن بعض التقارير اشارت الى اختفاء اعداد منهم عند نقاط التفتيش ، التي سميت بأنها ممرات الموت . على ان التعامل لم يكن واحدا في مناطق الوطن المختلفة ، بل كان يتدرج من المعاملة الجيدة والاحتضان الإنساني إلى القسوة، وكأن النازحين موجات غزو مغولية!
ومن لم يستطع الهرب بجلده وبقي حيث تسيطر «داعش»، لا تقل معاناته عن هؤلاء الذين نزحوا تاركين كل شيء . حيث لم تتوان عصابات داعش لحظة واحدة في اذلال الناس وفرض ما تراه عليهم ، وهو بائس ومتخلف ووضيع ، بل وراحت تزهق الارواح وتنتهك الاعراض والمحرمات وتصادر الدور والاملاك . وان من بقي في المناطق المستباحة داعشيا هو رهينة لا يدري متى تزهق روحه ، ويخضع لاهواء عصابات داعش الهمجية .
ان كثرة من الناس ، سواء من هاجر ونزح منهم او من بقي في مدن النكبة ، تتمنى في كل لحظة ان يداهمها الموت وتخلص من ضيق العيش والمرض والفقر والعوز ، ومن الاهانة والاذلال وحياة الجحيم . ووصل الامر بالبعض ان يشنق نفسه منتحرا. وامام الجميع كان مشهد الاطفال المبكي وهم يفارقون الحياة جراء البرد والمرض والجوع.
انها صور مأساوية ، ومعاناة حقيقة ، زادتها قساوة البعض في مواقفه وتصرفاته ، حيث ان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة . وما زال هذا المشهد التراجيدي يتكرر في كل يوم ، فيما يتواصل تغييب العديد من المهاجرين والنازحين واختفاء اي اثر لهم .
في ظروف كهذه يتطلع النازحون ، والمرابطون ، الى تحرير مدنهم وإنقاذهم من «داعش» وإعادة الحياة الطبيعية الى مدنهم وقراهم ، والبدء بتضميد الجراح وهي عميقة وواسعة . لذا فان اي عرقلة لعودة الناس بعد تحرير مدنهم من «داعش» الارهابي ، هي اسهام متعمد في زيادة معاناة هؤلاء المواطنين.وعلى العكس تماما يفترض ان تحشد كل القوى والامكانات لاعادة اعمار ما خربته داعش ، وما لحق بها من اضرار جراء الحرب، بغض النظر عن مواقف البعض ومتاجرتهم بقضية النازحين لمآرب ضيقة .
فهؤلاء ضحايا لا يفترض في اي عرف ومنطق ان يجري اخضاعهم للمساومات السياسية وتقاسم المغانم والنفوذ وليّ الاذرع ، او حتى التفكير البائس في استغلال ظروف الناس ومصيبتهم لرسم معالم الخريطة السياسية المستقبلية ومناطق الهيمنة فيها .
وفي مثل هذه الظروف القاسية والمعاناة على يد «داعش»، ينتفض المرابطون ضده وضد عناصره المجرمة ، وهذا ما حصل ويحصل في الفلوجة وهيت وكبيسة والموصل ، وهم حقا ، ونتيجة همجية داعش المعروفة ، يستحقون بفعلتهم الشجاعة هذه ، كل الثناء والدعم والاسناد .
وهذا الحراك الجديد لابناء هذه المناطق يرد بقوة على من يلصق بهم تهمة المبايعة الجماعية لداعش ، وكونهم حواضن الارهاب ، وان لم نعدم وجود من تعاون معه وسهل مهمته وهو مدان . فهذه الماثر والاعمال البطولية تقول وبصوت عال ، كما سبق وان اكد النازحون ، ان الارهاب بعيد عن قيم وعادات وتقاليد ابناء هذه المناطق، وهم ضحاياه ، ولا يفترض ان يؤخذوا بجريرة البعض الضال ، وهم يتطلعون الى يوم تحررهم وخلاصهم من شروره .