المنبرالحر

خصخصة الكهرباء والبنى التحتية / فريد جلَو

منذ الاحتلال الامريكي بدأت مشاريع خصخصة القطاع العام تطرح على اوراق السياسيين وكذلك في الأعلام كشكل من اشكال التغيير الاقتصادي والسياسي لمواكبة العصر باقتصاد السوق المنفتح ، وهذا المشروع جاء به بريمر كممثل للادارة الامريكية كما ورد في مذكراته ، صحيح ان المشروع لم يكتمل بل جرى وضع اسسه من خلال تهديم البنى التحتية للصناعة والزراعة العراقية للابقاء على الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي معتمدا على واردات النفط التي اغرت الكثير من الأحزاب المتسلطة على المشهد بقبوله لأسباب كثيرة منها أسعار النفط المغرية المتصاعدة باستمرار وتأثير دول الجوار الفاعلة في الساحة السياسية للاستحواذ على السوق العراقية في توريدها البضائع والسلع كبديل للمنتج الوطني ، لذا أخذت هذه المرة هذه الأحزاب على عاتقها استكمال مشروع بريمر الأمريكي خصوصا وان واردات النفط كانت مغرية للرأسمال الطفيلي المتداخل مع الأحزاب المذكورة أعلاه وأجهزة الدولة ، فهو تماما يشبه المال السائب ، ومعلوم ان رأس المال الطفيلي لا يستثمر في القطاعات المنتجة للسلع والبضائع .
الا ان التوجه الى خصخصة القطاع العام وخصوصا في مجالات الصناعة والخدمات لاقت مقاومة شديدة من قبل الجماهير والقوى الوطنية وقطاع واسع من الموظفين العاملين فيها مما جعل أصحاب هذه المشاريع يتباطؤون في خطاهم في هذا الاتجاه ، خصوصا وان اسعار النفط كانت مجزية لفترة قصيرة نسبيا وآفاق الاستحواذ عليها من خلال الفساد المالي والاداري قد توسعت ، الا ان انخفاض أسعار النفط وتدنيها الى أقل المستويات وتوقف المشاريع الحقيقية والوهمية أدى الى العودة بهذه الفئات الى اثارة مشروع الخصخصة مرة اخرى، فأذا أخذنا مثلا وزارة الكهرباء التي انفقت مليارات الدولارات من دون نتائج حقيقية على الأرض عادت الى موضوع الخصخصة وبطرق ملتوية ، حتى انها تحاول ان ترشي المواطن من خلال وعودها ب 24 ساعة من الطاقة وفق معايير لا أحد يقدر على ضمانها وان سنَت اقوى القوانين وسيجد هذا المواطن نفسه يوما خاضعا لارادة المستثمر وهو الذي يفرض عليه شروطه.والأمثلة كثيرة ومنها عدم قدرة الدولة على فرض تسعيرتها على أصحاب المولدات الأهلية، فما بالنا بشركات مدعومة من قبل أحزاب سياسية ، هذا في قطاع الكهرباء أما في قطاعات أخرى مثل النقل فالأمر يختلف نوعا ما ، أذ ان هناك مشاريع رابحة مثل الموانئ والنقل البري وفي مقابلها هناك مشاريع حثيثة لتخريب هذه المنشآت وبسرعة لتبرير خصخصتها تحت إسم الاستثمار، ولكن هذه العملية تجري بوقت قياسي بالمقارنة مع قطاع الكهرباء.
ولا يوجد قطاع من قطاعات الدولة الانتاجية والخدمية مستثنى من الخصخصة ، فقطاع الاتصالات مثلا هو أول قطاع خصخص عبر دخول الاستثمارات اليه من خلال شركات الهواتف النقالة ، وبعد ان بذل بعض الوزراء الذين كانوا على رأس وزارة الاتصالات جهودا مشكورة لاعادة الحياة الى الهاتف الأرضي ، عمد المتضررون من ذلك الى تخريب البنى التحتية العقدية له مما أفشل هذه الجهود وركنت البدالات الحديثة التي استوردت لهذا الغرض .
في عهد وزارة الاتصالات في الحكومة السابقة، لم تمارس الهيئات المسماة المستقلة ومهماتها ووظيفتها ومنها هيئة الاتصالات، نجد ان هيئة الاتصالات الحالية تمنع وزارة الاتصالات من تأسيس شركة مملوكة للدولة للهاتف النقال للجيل الرابع بحجج واهية وهي ان تدخل الوزارة كمنافس مع شركات القطاع الخاص في الحصول على الإجازة ، ويقينا ان شركة حديثة يزمع تأسيسها لا يمكنها ان تدخل في مثل هذه المنافسة .
ومن الصعب على الدولة أن لا تفرض هيمنتها على قطاعاتها على الاقل وان يكون لها شركاتها الخاصة الوطنية لأنها تدخل ضمن أطار الأمن الوطني.
هذا غيض من فيض وربما يكون المجهول أعظم بكثير فألى اين نحن ذاهبون؟