المنبرالحر

من يوميات منتفض الجزء 4، 5/ ليث عبد الغني

اليوم الأول لإنطلاق الإنتفاضة
الجمعة 1 اذار من عام 1991ميلادي والموافق 14 شعبان 1411هجري
رغم توقيع وقف اطلاق النار في خيمة الذل بصفوان إلا أن القوات الدولية لازالت تسيطر على مساحة كبيرة من الاراضي العراقية ومنها جنوب الناصرية ، وتلك الحرب اوقعت الاف من الضحايا البشرية البريئة وتسببت بخسائر هائلة مادية وبيئية . ولا يمكن للشعب العراقي نسيان هذه الحقائق او تجاهلها. وكل هذا الوضع المأساوي الذي يحدث للعراق إلا أن صدام وازلامه لازالوا يتغنون بأنتصاراتهم الكاذبة الوهمية.
إن الشعب العراقي لم يسلم امره الى الدكتاتور حتى يوم الانتفاضة الخالدة 1991م، فالانتفاضة لم تهبط من السماء بل كانت عبارة عن ذروة كفاح وجهاد طويل للشعب العراقي ومناضليه الذين كانوا يجاهدون بأشكال كثيرة.
الشارع العراقي كان يعتصر الماً من الانكسارات والخيبات المتكررة وهذا ما دفع الناس ان تعبر عن مواقف رافضة كبيرة تجاه ممارسات اجهزة صدام والتي عبروا عنها بهبة شعبية مسلحة رافضة للدكتاتورية لاسترداد حريتهم وحقهم في الحياة الكريمة.
فجاءت انطلاقتها الاولى في يوم الجمعة المصادف الاول من اذار والموافق 14 من شهر شعبان من قلب هور الحمار وتحديدا بين ناحيتي الفهود والطار بعد قدوم المنتفضين الذين انقسموا الى قسمين، فالاول منهم باتجاه مدينة الفهود والقسم الثاني باتجاه مدينة الطار حيث دارت معركه حامية الوطيس سقط فيها عدد من الشهداء الى ان تحررت الناحيتين ثم تقدم المنتفضون الى ناحية كرمة بني سعيد التي تحررت هي الاخرى ثم ناحية الحكيكة. وفي حوالي الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً وصل المنتفضون المسلحون وهم يحملون معهم اسلحة رشاشة خفيفة واسلحة متوسطة الى مركز قضاء سوق الشيوخ والذين وجدوا الثوار من شباب مدينة سوق الشيوخ تملأ الشوارع بانتظارهم وعلى هبة الاستعداد وخلال دقائق اتحدت هذه الجموع الغفيرة ببعضها حتى توجهوا الى المقرات الحزبية للبعث المقبور والامنية والاستخبارات فتحررت جميعها دون اي مقاومه تذكر وجميعهم هربوا ، وخلال ساعة من دخول المجاهدين اصبحت المدينة متحررة تاركين اسلحتهم ومشاجبهم التي استفاد منها الثوار بعد ذلك.
كانت الروايات تؤكد أن من بعض قادة الانتفاضة في تلك المناطق هم من وجهاء اهل الاهوار ومعهم بعض من شيوخ سوق الشيوخ بقيادة الشيخ كاظم ريسان الكاصد مع شيوخ ال جويبر والشيخ ظاهر ال عجيل والشيخ ساجت ال دوخي شيخ النواشي وابطال كثيرون اخرين. هذه الاخبار انتشر بين مدن الهور فوصلت الى مدن البصرة والعمارة ومدن شمال الناصرية.
المنتفضون الذين سيطروا على سوق الشيوخ لم يكتفوا بهذا الحد من المكان فقرروا الذهاب الى الناصرية مركز المحافظة لتحريرها من السلطة الدكتاتورية الحاكمة هناك لكنهم بالطريق منعتهم القوات الامريكية التي كانت تسيطر على الجهة الجنوبية من المحافظة مما اضطرهم الى عبور النهر باتجاه بساتين منطقة السديناوية ، لكن الليل داهمهم فتأجل الهجوم على مركز المدينة الى اليوم التالي وهو السبت المصادف 2 اذار والموافق 15 شعبان. أما نحن في مدينة الشطرة فكنا كحال جميع المدن الاخرى نتابع أخبار ما يحدث في تلك المناطق التي تحررت في جنوب الناصرية لكن المفاجئة التي لم نكن نتوقعها وعلمنا بها بعد وصول جنازة احد أبناء الشطرة وهو سائق لحافلة نقل للركاب اسمه (كريم الملي) الذي اصيب من جراء القتال الدائر في مدينة الحي شمال محافظة ذي قار والتي تحررت هي الاخرى في نفس اليوم . واغلب الروايات تؤكد على مشاركة السادة الصوافي وسيد رحيم واخوانه ونساؤهم الذين كانوا يحملون الاسلحة الخفيفة والرمانات اليدوية التي استخدمت في تحرير شعبة مدينة الحي لحزب البعث الحاكم. لقد هب اهل الحي معهم بعد ان اطلقوا الشرارة الاولى للانتفاضة في الحي.
الساعات تمضي وهي حبلى بالمفاجئات والترقب في جميع مدن الجنوب والتي استعدت ليوم ثوري غاضب تحررت فيه مدن ثلاث محافظات وهي البصرة والعمارة والناصرية.
الجزءالخامس
وانا اكتب يومياتي سألتني لماذا أنتفضتم؟
في عصر يوم الجمعة المصادف 1 اذار المواق 14 شعبان 1991 كنت امشي في شارع العدل الرئيسي وسط مدينة الشطرة، وفجأة طوقني رجال يرتدون بدلات زيتوني، كانوا غرباء ويعتقلون المدنيين الى مقر منظمة حزب البعث في الشطرة، اجبتهم لماذا قالوا لكي تلتحق بالجيش الشعبي فالوطن بحاجة الى متطوعين. أجبتهم اني عسكري ولا يحق لكم اخذي للجيش الشعبي، وبعد سجالات طويلة بيننا تركوني وشأني. فسألتهم بعدها ماذا تفعلون بالجيش الشعبي والحرب قد توقفت. اجابوني يوجد انزال للقوات الأمريكية في الناصرية، انا لم اصدق بهم!! قررت بعدها ان اتحرى بنفسي حول الأمر فحصلت على معلومات خطيرة وهي ان سوق الشيوخ تحررت من البعثيين بعد أن قام ابناء الهور باطلاق شرارة الانتفاضة بين ناحية الفهود وناحية الطار. وأن قيادة البعث في ذي قار اصدرت اوامر باعتقال المدنيين وتسفيرهم الى مقر فرع الحزب في الناصرية لغرض تجهيزهم بالسلاح والعتاد ثم اعدادهم لأقتحام مدينة سوق الشيوخ والقضاء على الانتفاضة هناك. قلقت في وقتها على اهل سوق الشيوخ لأننا مؤمنون ان هذه الانتفاضة كانت املنا الوحيد لمستقبل لا يحكمه المجرمون. تذكرت حينها احد ضباط المخابرات الذي زار مكتبنا وتحدث مع زميلي رحمن الذي كان معي في شعبة الحسابات ، كنت وقتها خافض رأسي وادقق في احد سجلات الحسابات ولم ارفع رأسي إلا بعد ان سمعت رحمن اجابه سيدي ، وقفت احتراماً لرتبته دون ان اعلم من هو، وبعد ان تعرفت عليه واديت التحية قال لي بصوت حاقد اجلس واكمل عملك. اجبته نعم سيدي، ثم سألني لماذا اهل الناصرية غاضبين على محافظ الناصرية وأبنه؟ اجبته سيدي الناس تقول عليه انه يأخذ الكمية الغذائية التموينية ويبيعها في السوق بثمن غالي. أجابني الضابط وهو غاضب انتم اصلاً اهل الناصرية لا تأكلون غير (التمن والمرق) فشنو حاجتكم بالمواد الاخرى. اجابه رحمن بهدوء وهو ممتعض في داخله سيدي اهل الناصرية هم اهل المضايف والسمك والذبايج والطيور. وما ان اكمل رحمن كلامه حتى فتح الضابط باب المكتب وخرج وهو يقول انه ولي امركم وعليكم طاعته. شعرت ساعتها أًن الموت اشرف الف مرة من البقاء حياً مع هكذا حياة ليس فيها غير القتل والنهب ، كلام الضابط كان معجون بالسم والحقد والعجرفة الفارغة. نظر الي رحمن وقال انا استغرب عليهم عندما يدافعون عن المحافظ الذي حول مكتبه ووظيفته الى مركز لقتل الابرياء وسلب قوت الفقراء. نعم كان محافظ الناصرية مجرم بمعنى الكلمة. وهكذا كان تعامل السلطة الطاغية مع الشعب. فلا تسأليني لماذا الشعب انتفض.
يكفي ان القلوب بكت قبل العيون لمنظر جندي عراقي ادمى قدميه بإنسحاب مذل قاطعا الصحراء مستبدلا سلاحه بكسرة خبز ..او.
والى هنا أكتفي هذا اليوم بهذا القدر من يوميات منتفض املين متابعتنا ليوم غد وهو اليوم الثاني من اذار الموافق الخامس عشر من شعبان.
مع التحية لكل الاحرار بذكرى اليوبيل الفضي لإنتفاضة العراق الشعبية 1991.