المنبرالحر

من يوميات منتفض / الجزء السادس / ليث عبد الغني

رسالة الى المعارضة العراقية
مساء يوم الجمعة المصادف 1 اذار 1991المواق 14 شعبان مساء شعباني مبارك ..نور القمر فيه مكتملاً بضيائه الذي يمنحنا التفاؤل والطمأنينة. قد يكون يوم للشهادة او يوم للإنتصار سنحيا معه. كنا ننتظره بفارغ الصبر. انها ليلة الانتفاضة المنتظرة.
في مساء تلك الليلة كنت اتمشى في شوارع مدينتي ( الشطرة) مع مجموعة من اصدقائي وكانت الشوارع تشع في ضياء القمر لكنها فارغة من الناس لإن الوضع الأمني متدهور والأحداث تتطور باتجاه انتفاضة عارمة كما يتوقع. إنطلاق الانتفاضة في سوق الشيوخ ومدينة الحي انتشرت اخبارها بشكل سريع بين المحافظات الثلاثة التي تحيط بهور الحمار وجميع مدنها.
كنا نستمع الى اخبار احدى اذاعات المعارضة العراقية من راديو صغير يحمله احدنا بيده ومنتظرين سماع اعلان بيان هام، كانوا يكررون الخبر منذ يوم امس في نشراتهم الاخبارية. العنوان الرئيسي للخبر هو سنذيع عليكم بيان هام للشعب العراقي ليلة الجمعة . جميع من يتابع اخبار المعارضة في تلك الأيام وأنا منهم كان يعتقد انه بيان رقم واحد لإعلان الثورة لكن البيان حقيقة خيب املنا بعد ان انتظرناه بفارغ الصبر. كان الخبر عن شخصية عراقية مهمة في الدولة تمردت على صدام وطلبت لجوء.
لابد من الاشارة هنا الى أن الأحداث الصعبة التي كان يمر بها العراق في أيام الأنتقاضة عام 1991 تجعل الناس تبحث عن اخبار المعارضة العراقية التي كان من الضروري ان تعمل من اجل انقاذ البلاد من الحكم الدكتاتوري الصدامي والذي دمر العراق بسياسته الرعناء، وكان هناك بصيص من الأمل لدى الناس بالتشكيل الفتي الجديد في دمشق انذاك لوحدة بعض فصائل المعارضة العراقية في عام 1990 والذي اطلق على اسمه "لجنة الخمسة" أو (لجنة العمل المشترك) والتي شكلت امانتها العامة من خمس اعضاء لقيادة العمل العراقي المعارض وهم ( الجبهة الكردستانية و المجلس الاسلامي الاعلى و حزب الدعوة الاسلامي وحزب البعث العربي الاشتراكي تنظيم سوريا و الحزب الشيوعي العراقي). ولكنا في الداخل لا نعلم بالتفاصيل والمعلومات التي اشار اليها (الاعلامي إبراهيم الزبيدي) بعد ذلك بسنين في مقال تحت عنوان صفحات مطوية عن ايام المعارضة العراقية السابقة في موقع ايلاف الالكتروني في 16 ديسمبر 2009. حيث اعادنا كاتب المقال الى قراءة الواقع المأساوي من جديد بعد ان ذكر في مقاله. " أن الحقيقة في اختيار ممثلي تلك الأحزاب لم يتم بطريقة ديمقراطية تتضمن تحقيق أكثر الصيغ ملائمةً لواقع المعارضة العراقية في خارج العراق وداخله معاً، فقد تم التوصل إلى تثبيت مبدأ جديد اتفق المشاركون في "لجنة العمل المشترك" على تسميته باسم مبدأ "التوافق" والذي أصبح فيما بعد يسمى "المحاصصة".
ونتيجة لضغوط قوية مارستها المملكة العربية السعودية، وافقت "لجنة العمل المشترك" على إضافة التنظيمين اللذين كانا قد تأسسا بالدعم السعودي الكامل، وهما: "حركة الوفاق الوطني العراقي"، و "المجلس العراقي الحر"، ليصبح العدد (5+2). ومع ذلك بقيت الكلمة العليا للخمسة).
لم نكن نعلم ان واقع الحال في الداخل يختلف تماماً عن واقع المعارضة المزري في الخارج، فلازال العراقيون انذاك لا يفهمون شيئاً عن مبدأ المحاصصة الذي اذل المعارضة العراقية ايضاَ إن صح التعبير. ونقصد هنا مثل ما ذٌل صدام من قبل دول التحالف فقد ذُلت المعارضة العراقية ايضاً بسبب ضغوطات بعض الدول التي تدعمهم فجردتهم من تحررهم وجعلتهم يقبلون بالتوافق . وهذه الحقيقة المرة يجب عليهم الاعتراف بها بعد هذه السنين الطويلة، لذا فمن الطبيعي أن يحملهم الشعب جزء من مسؤولية اجهاض الإنتفاضة. ففشلهم في مؤتمر بيروت هو خير دليل على اخفاقهم في دعمها.
لقد أكد الكاتب (حمزة الشمخي) أيضاً في مقال نشره موقع الحوار المتمدن في 29.12.2006 تحت اسم (العاجزون) "أن المعارضة العراقية لم تفلح بالرغم من كل سنين العمل اليومي والنضال الدؤوب والتضحيات الكبيرة التي قدمتها المعارضة العراقية بكل أشكالها وألوانها وأطيافها ، حيث عجزت هذه المعارضة أمام سياسات النظام الرعناء وحروبه العدوانية وأساليبه الدموية لمواجهة معارضيه في الداخل والخارج، حيث كانوا قادة المعارضة عاجزين حتى على تحريك الشارع العراقي، بالرغم من إتساع المعارضة الشعبية للدكتاتورية وتهيئة الظروف المناسبة للإنقضاض عليه وإسقاطه بإنتفاضة شعبية ، نتيجة تصاعد حالة التذمر والسخط والإستياء الجماهيري من سياسات نظام صدام وأفعاله الإجرامية"."
إن جميع من عاش وشهد تلك المرحلة يؤكد عجز المعارضة العراقية انذاك والتي استلمت الحكم بعدها لتنقل الينا وباء التوافق والمحاصصة، فكانوا حقا من العاجزين عندما قادوا المعارضة سابقا بمبدأ التوافق والذين اضافوا اليها سياسة الطائفية المقيتة بعد ان استلموا الحكم ليدمروا العراق بشكل كامل الى أن وصلنا الى هذا الحال.
لقد اعترف السيد بهاء الاعرجي في احدى المقابلات التلفزيونية حيث قال: اننا عندما جئنا الى الحكم لم نكن نملك قاعدة جماهيرية، فكان لابد لنا من الحصول على اصوات الشعب بطريقة ما، فوجدنا ان نشر ثقافة الطائفية هو اسهل طريق ، فنجحنا بذلك. حسب تعبيره.
ولابد من الاشارة هنا الى أنني عندما هاجرت الى السويد استقبلتنا احزاب المعارضة العراقية استقبال الابطال، واخص بالذكر (الحزب الشيوعي العراقي) و (حزب الدعوة الاسلامي) لكني وجدت الكثير من المعارضين العراقيين في الخارج وبعض فصائل المعارضة كان مغلوبا على امرهم فأما ان يقبلوا بما تفرضه عليهم توجيهات واجندات احزابهم حتى لو كانت عكس رغباتهم وأراءهم. وأما أن يستقيلوا او يمارسوا العمل السياسي بشكل فردي. فالذين يملكون القرار هم من رسموا سياسة المعارضة.
كان الوضع في داخل العراق قبل انطلاق الانتفاضة يختلف تماماً عن حال المعارضة العراقية البائس ، فالشعب كان بأغلبيته متذمر ولا يتحمل سياسات صدام ولا أي إملاءات عليه من أي جهة كانت . وانطلاقة الانتفاضة الشعبية هو خير دليل على ذلك.
كنا نشعر بالأسى بتفكك المعارضة التي كانت هي الأمل الوحيد بعد ان انطلقت الإنتفاضة لأننا كنا نفتقر الى القيادات والى الخبرة، فكان حلمنا بوحدتهم كحلم الفنان الذي رسم هذه الرسالة في البوسط المرفق مع يومياتنا هذه لتعبر عن امال الشعب العراقي في تلك الحقبة الزمنية.
في ذلك المساء المقمر الذي خذلنا فيه خبر اذاعة المعارضة كان أبناء شعبنا في الجنوب يعدون الساعات لمجئ صباح مرسوماً فيه فرحة الحرية. وهذا ما كان يشعر به جميع الوطنيين الاحرار من ابناء العراق.
لقد قال لي صديقي أبو مرتضى من مدينة (المدٌينة) الواقعة على ضفاف هورالحمار من جهة البصرة أن عشريتنا تجمعت في ذلك المساء لتخطط في المشاركة بانتفاضة في الصباح الباكر لليوم التالي . وقال ايضاً ان عائلته من ضحايا الاجرام الصدامي.
أما الاخ (علي العريف) من منطقة الحيانية في البصرة فقد اخبرني انهم لم يناموا في تلك الليلة وقد قرروا ان ساعة الصفر ستكون في تمام السادسة فجرا للهجوم على مقرات سلطة البعث الحاكمة. وهكذا الحال كما هو في مدينة الشطرة وكما هو في جميع المدن التي انتفضت في يوم السبت المصادف 2 من اذار والتي تحررت فيها جميع مدن المحافظات الثلاث الواقعة حول ضفاف هور الحمار وهي البصرة والعمارة والناصرية.
والى هنا أكتفي هذا اليوم بهذا القدر من يوميات منتفض املين متابعتنا ليوم غد وهو اليوم الثاني من اذار الموافق الخامس عشر من شعبان.
مع التحية لكل الاحرار بذكرى اليوبيل الفضي لإنتفاضة العراق الشعبية 1991.
المجد و الخلود لشهادءنا الابرار
المجد للعراق.. وطننا، و لأهله ..شعبنا
و الله ولي التوفيق