المنبرالحر

آن الأوان لطرد تركيا ارودغان ركلا من حلف "ناتو" / إعداد وترجمة: محمد توفيق علي

وكالة الأناضول – صور جيتي. تأليف السيد ستانلي وايس الرئيس المؤسس لمدراء الأعمال للأمن القومي في واشنطن وخبير في ادارة المناجم. نشر صحيفة هيفنتن بوست الالكترونية. 23 شباط 2016.
من المفارقات التاريخية هو أن أحد الدبلوماسيين الأمريكيين الذين كانوا منخرطين كثيرا في تأسيس منظمة حلف الشمال الأطلسي كان اسمه "أكيلس". فبحكم كونه كان رئيس قسم العلاقات الاوربية الغربية في الخارجية الأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية ولاحقا معاون رئيس مجلس الشمال الأطلسي، لعب الأمريكي "ثيودور أكيلس" دورا قياديا في صياغة مسودة الحلف الذي استهدف ردع الاتحاد السوفياتي التوسعي من الهجوم العسكري على اوربا الغربية. وعقب التحاق 11 دولة اوربية بالولايات المتحدة كأعضاء مؤسسين في العام 1949، توسّع الحلف بسرعة. اذ التحقت به دولتان اخرتان-اليونان وتركيا- بحلول العام 1952 واليوم يبلغ تعداد عضويته 28 دولة.
من الصعوبة تصور احتمال أي عضو في المنظمة أن يخون بقية التحالف. ولكن ولحد هذا اليوم لا توجد آلية في معاهدة "ناتو" لإزالة عضو ذي مخالفة أو حتى تعريف عبارة "سلوك سيئ". ومع هذا وعقب مرور ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفياتي، لا يزال أعضاء "ناتو" يؤدون ذات مراسيم القَسم فيما بينهم والمعروف بالبند 5 الذي سبق وأن كانوا يؤدونه منذ العام 1949وهو: أي هجوم على أية دولة عضو يعتبر هجوما على جميع الدول الأعضاء وسوف يكون الرد عليه فوريا وبالمثل. فخلال سبعة قرون من الزمن تقريبا بات هذا المجموع من العوامل بمثابة نقطة ضعف كعب أكيل لحلف "ناتو" ومفاده أن: ذات يوم يطالب اعضاؤه بالدفاع عن تصرفات عضو محتال لم يعد يؤمن بالقيم المشتركة للحلف ولكن سلوكه يولّد خطرا "لحلفائه" في حين يخلق سيناريو الكابوس للنظام العالمي.
وبعد مرور 67 عام أخيرا آن الأوان: تركيا التي كانت لفترة نصف قرن حليفا قوي البنية في الشرق الأوسط في الوقت الذي أثبتت كون دولة مسلمة الأكثرية أن تكون علمانية وديمقراطية. ولكنها ابتعدت كثيرا عن حلفائها في "ناتو" بحيث يقرّ القاصي والداني تحدّيها بدعم الدولة الاسلامية في سوريا في حربها ضد الغرب. فمنذ تولّي الرجل القوي الاسلامي رجب طيب اوردغان السلطة في العام 2003، انحدرت تركيا صوب الاستبدادية المتشددة، واحتضنت الارهابيين الاسلاميين من كل لون في حين تتحرش بآخرين في معارك لا تتمكن انهاءها في المنطقة- بما فيها تصعيد حربها ضد 25 مليون من الكرد الذين يقاتلون ضد "داعش" وتحويل حرب باردة الى حرب ساخنة ضد روسيا حيث أسقطت طائرتها بتهور في شهر تشرين الثاني. وبحلول هذه المعارك قريبا على مشارف دارها- بانفجار قنابل في مدنها والأعداء عبر حدودها- يطالب القادة الترك الآن بدعم غير مشروط من حلف "ناتو". اذ صرّح رئيس الوزراء أحمد داود اوغلو في يوم السبت بأنه يتوقع "حليفنا الولايات المتحدة أن تدعم تركيا بدون قيد أو شرط".
ولكن هذا الأمر قليل الشأن ومتأخر، ينبغي أن لا يقدم حلف "ناتو" على الدفاع عن تركيا. بل ينبغي أن يبادر الحلف فورا بالتدقيق في القائمة الطويلة المتزايدة للتجاوزات التركية ضد الغرب، بما فيها دعم الارهابيين الاسلاميين، واتخاذ القرار المناسب. وفي حالة الاثبات- وهو أمر أكيد جدا- ينبغي على هيئة التحالف العليا لاتخاذ القرارات، مجلس الشمال الأطلسي، أن تطرد تركيا بصورة رسمية والى الأبد من حلف "ناتو" وذلك قَبل أن تجرّ عدوانيتها واعتداءاتها المستمرة المجتمع الدولي الى حرب عالمية ثالثة.
ان هذا اجراء طال أمده. وكما جادلت قَبل خمسة أعوام أن "اردوغان الذي هو اسلامي للقشر واشتهر ذات مرّة بتصريحه " ان الجوامع ثكناتنا والقبب خوذاتنا والمنارات حرباتنا والمؤمنون جنودنا" يبدو بأنه يعتبر نفسه الزعيم الاسلامي للعالَم الاسلامي فيما بَعد الربيع العربي. سبق وأن قضى فترة 13 عام الأخيرة بتدمير كل جزء من المجتمع التركي الذي حقق العلمانية والديمقراطية. وبذلك اعاد تشكيل البلد كما كتبته ذات مرّة السيدة كارولاين غليك من مركز الدراسات الأمنية " هجيني من اوتوقراطية بوتينية وولاية الفقيه الايرانية". وفي الخريف الماضي وصل الى حد مديحه للصلاحيات التنفيذية التي سبق وأن منحت الى أدولف هتلر.
وخلال قيادة اردوغان، اعتقل حليفنا في "ناتو" الصحفيين أكثر مما فعلته الصين وسجن آلاف الطلبة بجريمة حرية الكلام واستبدلت المدارس العلمانية بالمدارس الاسلامية المنهج. وتباهى علنا دعمه لإخوان المسلمين و"حماس" في حين يتهم حليفنا منذ أمد اسرائيل بتهمة" جرائم ضد الانسانية" وانتهك حظر الاسلحة عن قطاع غزة، واشترى منظومة الدفاع الجوي( وكاد أن يشمل الصواريخ) من الصين متحديا حلف "ناتو" ومنع امريكا استخدام قاعدتها الجوية الخاصة بها لشن الغارات منها خلال الحرب العراقية ولاحقا ضد الارهابيين الاسلاميين في سوريا. وفي الوقت الذي كان الحلفاء الغربيون قَبل عامين يقاتلون في صدّ مقاتلي الدولة الاسلامية في مدينة كوباني الواقعة في غرب سوريا، رقدت الدبابات التركية بهدوء بالقرب عبر الحدود.
وفي الحقيقة توجد أدلة دامغة (من تجميع جامعة كولومبيا) ضمنيا بأن تركيا زودت الوقود للماكنة الحربية لقوات "داعش". توجد أدلة كما وصفتها حديثا صحيفة آفاق الشرق الأدنى" سمحت تركيا لأسراب الجهاديين من أنحاء العالم بالتجمع في سوريا بعبور الأراضي التركية". وبأن كما كتبه الصحفي تيد غالن كاربينتر" تركيا سمحت لتنظيم "داعش" شحن النفط من شمال سوريا الى تركيا للبيع في الأسواق العالمية" وبأن ابن اردوغان بالذات تعاون مع "داعش" في تسويق ذلك النفط الذي "يشكل الدورة الدموية للدولة الاسلامية التي تتعامل مع الممات". وسمحت لشاحنات الحمل العبور الحر عبر تركيا في طريقها الى مقاتلي "داعش". و توجد "أدلة عن مساعدات مباشرة أكثر" كما يعبّر عنه فوربس "بتزويد الأجهزة وجوازات السفر والتدريب والعناية الصحية ولربما اكثر من هذا للإسلاميين المتشددين" وحسب قول سفير أمريكي سابق تعاملت حكومة اردوغان مباشرة مع جبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا.
في حين تتظاهر أنقرة باتخاذ اجراءات عسكرية ضد "داعش"، ولكن لموقفها الاستحواذي من الكرد، انخرطت في سلسلة متصلبة من القصف المدفعي على وحدات حماية الشعب الكردية (و ح ش) في سوريا التي تلاحق عساكر "داعش" في شمال سوريا. ان الكرد أكبر مجموعة أثنية على الأرض بدون دولة- 25 مليون مسلم سني الذين يقطنون في المنطقة الواقعة بين سوريا والعراق وايران وتركيا. شنت تركيا حربا أهلية دامية على مدى ثلاثة عقود على شعبها الكردي البالغ تعداده 14 مليون نسمة- على حزب العمال الكردستاني(ب ك ك)- وكلفت اكثر من 40000 ضحية. وفشلت عملية السلام في الآونة الأخيرة عندما استهدفت تركيا حزب (ب ك ك)، الأمر الذي اعاد الحرب الى جنوب شرق البلاد وأدى الى تصعيد قلق اردوغان من توحيد القوى بين كرد تركيا وسوريا عبر الحدود التركية.
ان الكرد شأنهم شأن الترك، يشاهَدون أحيانا تحت عدسة ماذا كانوا سابقا وليس من هم الآن. في العام 1997، أقنعت تركيا الولايات المتحدة بإضافة حزب (ب ك ك) الى قائمتها عن المنظمات الارهابية، ويدعي اردوغان بأن كرد سوريا متهمون بسبب صلاتهم. ولكن في الحقيقة تعاملت (و ح ش) عن كثب مع الولايات المتحدة ضد الارهابيين الاسلاميين بحيث وصفتها صحيفة واشنطن بوست في الآونة الأخيرة بالإشارة الى أعضائها بأنها "قوات الولايات المتحدة بالتزكية". وان الكرد- سواء في سوريا أو العراق أو تركيا- حسب جميع التقييمات أشد واشجع المقاتلين على الأرض في الحرب ضد الدولة الاسلامية في كل من العراق و سوريا. والأكثر من ذلك، تشكل المجموعة بديلا قويا للرؤية المروعة عن الجهاديين الاسلاميين. اذ تجسد ما تم وصفه " مستوى من مساواة المرأة بالرجل، احترام الأقليات والعلمانية وتصورا عالميا معاصرا ومعتدلا، أقل ما يمكن تقييمه هو كونه نادرا في المنطقة.
جاهدت الحكومة التركية القاء اللوم للانفجارات في الآونة الأخيرة في أنقرة على (و ح ش) في محاولة أن تميل الولايات المتحدة بالضد من الكرد. فثار اردوغان باستيائه من ولاءات الغرب واتهم الولايات المتحدة بخلق " بحر من الدماء" في المنطقة بدعمها للكرد وأصدرا تحذيرا نهائيا بأنه آن الأوان للولايات المتحدة أن تختار بين تركيا والكرد.
وانني اتفق كليا: آن الأوان للولايات المتحدة أن تختار الكرد وليس تركيا اردوغان.
يجادل القراء بأن الكرد غير راغبين في توسيع ميدان القتال ضد "داعش" الى خارج حدودهم، ولكن هذا الأمر يزوّد الولايات المتحدة بآفاق. مكافأة لتوسيع الكرد ميدان القتال ضد "داعش" في أنحاء المنطقة، يستطيع التحالف الدولي منح الكرد دولتهم الخاصة بهم. ان الدولة الكردية سوف تصبح حليفا اقليميا حاسما للولايات المتحدة وتلعب دورا هاما في تغطية فراغ السلطة الذي برز في الشرق الأوسط. وبالمساعدة من الولايات المتحدة تستطيع الدولة الكردية ايضا ايواء اللاجئين السوريين الذين يشكلون عبئا على أنظمة الهجرة في تركيا واوروبا. وعلى المدى البعيد سوف تغدو حليفا اقليميا هاما لإعادة الاستقرار الى المنطقة وتمثل نموذجا قويا للديمقراطية الناجحة. أو بمعنى آخر، يمكن لكردستان أن تلعب الدور الذي كانت تلعبه تركيا.
يقال بأن الفرق بين كون الواحد "أكيل" أو الكون تقريبا "أكيل" هو الفرق بين البقاء على قيد الحياة وبين الممات. يستطيع حلف "ناتو" البقاء بدون كعب أكيل: آن الأوان لطرد تركيا بالركلات والى أبد الآبدين.
ملاحظة: تلوين المفردات حسب النص بالإنجليزية من المؤلف أو الناشر وليس مبادرة من المترجم.
ولمزيد من المعلومات بالإنجليزية والصور راجع الروابط المدونة أدناه