المنبرالحر

دفاعا عن الحزبية / محمد عبد الرحمن

الحزبية ليست سبة أو وباء، ولا هي كارثة على المجتمعات، ولا يمكن تحميلها بذاتها المآسي التي سببها العديد من السياسيين من منتسبي بعض الاحزاب، وفي مختلف بلدان العالم. فالاحزاب تعبر عن مصالح طبقات وفئات اجتماعية، وهي موجودة كواقع موضوعي وليس بمقدور احد ان يلغيها، او يمني النفس بعدم وجودها، ما دام في المجتمعات استغلال وظلم واضطهاد وصراع وجوع، فقر وغنى، وتوزيع غير عادل للثروات والدخول، وما دام المجتمع لا يوفر فرصا متكافئة لجميع افراده، مهما اخذت هذه الاحزاب من عناوين واسماء.
وهنا الحديث يدور عن الحزبية، وليس عن الاحزاب بقضها وقضيضها.فنحن نعرف انه قد جرى مسخ مشين لمعنى ومفهوم الحزبية، وقادت عندنا ممارسات الاحزاب والكتل المتنفذة، على اختلاف تلاوينها، والتي تحكمت بمسيرة بلدنا منذ التغيير حتى الان، وما ارتبط بها من فساد ونهب وسوء ادارة وتهالك على المصالح والمنافع، ونهب لاملاك الدولة باساليب وطرق مختلفة، باسماء وشخوص هذه الاحزاب، هذا كله قاد الى التشويه والكفر بالاحزاب والحزبية، وشوّش على رسالة الاحزاب الوطنية ودورها في الدفاع عن مصالح الشعب والوطن، وفي تنمية الوعي وقيم المواطنة والعدالة والسلام والتآخي، والانحياز الى ارادة الشعب وتطلعه الى حياة حرة كريمة.
نعم، العديدون قد شوهوا الصورة واساءوا الى الحياة الحزبية السليمة من خلال مواقفهم التي غدت صدى وجزءاً من اجندات الدول الاجنبية، التي تبحث عن مصالحها وتسعى على الدوام الى ايجاد ادوات « داخلية « تسهل مهامها وتتماهى مع مخططاتها.
وقطعاً ان الاحزاب الوطنية الاصيلة، ذات الجذور الراسخة والتي وقفت دائماً وما زالت في صف مطامح الناس وتطلعاتها، لا تتحمل مسؤولية ما يحل اليوم بالوطن من مشاكل وازمات. فمن تسبب في ذلك نفر معروف، سواء انتمى لحزب معين، ام ادعى انه « مستقل « على طريقة « استقلالية « البعض هذه الايام..
وبعد.. هل هناك بلد في العلم لا توجد فيه تنظيمات واحزاب كتل سياسية، وافراد ذوو توجهات سياسية واضحة ومحددة ؟ واذ يجري الحديث عن كون بلدنا يسير على طريق الديمقراطية، فكيف تستقيم هذه الديمقراطية بدون احزاب وحزبية ؟ في بلدنا وبسبب من سوء عمل الاحزاب والكتل المتنفذة، وكون اغلب من قيل ان له صلة بالفساد مرتبط، بهذا الشكل او ذاك، بتلك الاحزاب والكتل، تولد انطباع خاطيء ومضر بان الاحزاب هي من يشجع على الفساد ويتبناه. وحقيقة الامر ان هذا الاطلاق لا اساس له بالمرة. فلو اخذنا بلدا مثل الدنمارك فقد وضعه تقرير منظمة الشفافية الدولية في المركز الاول ضمن قائمة الدول الاقل فسادا في العالم، نجد ان فيه العديد من الاحزاب، من اقصى اليسار الى اقصى اليمين.
فالفساد وتردي الاحوال في بلد ما، وفي بلدنا ايضا، لا علاقة له بالحزبية وتعدد الاحزاب، الا إذا كانت هذه الاحزاب وقادتها قد انغمروا في الفساد، وغدوا جزءا من اخطبوطه.
نعم.. ان في بلدنا مشكلة جدية، خصوصا وقد جرى تقديم الانتماء الطائفي والقومي والديني والمذهبي والمناطقي والعشائري وكل العناوين الفرعية، على العنوان الاراس وهو المواطنة والوطن. فيما العديد من الاحزاب اليوم لم تقم على اساس تمثيلها لمصالح طبقات وفئات وشرائح اجتماعية، وتجسيدها ذلك في برامج وطنية عامة. وجرى اختزال هذه الاحزاب في نهاية المطاف لتعبر عن مصالح ونفوذ افراد محددين.
ونخلص الى ان الحزبية السليمة، القائمة في اجواء صحية وديمقراطية حقة، تتميز ببعدها الوطني الصادق، وتؤسس وفقا لضوابط ومعايير دستورية، هي اغناء للحياة العامة، ولا غنى عنها في نظام يقول أنه يأخذ بالدستور والانتخابات والديمقراطية.
وحذار من خلط الاوراق الجاري الآن، ووضع كل الاحزاب في سلة واحدة.