المنبرالحر

نحو نظام ضريبي عابر للفساد / ابراهيم المشهداني

تحتل الضريبة في كافة دول العالم المتطورة منها والنامية، مصدرا مهما من مصادر التمويل التي تتطلبها عمليات التنمية الاقتصادية بالرغم من الاختلاف في قوانينها وأنظمتها الضريبية، والمستوى الثقافي لكل شعب من شعوب العالم، ففي حين تعتبر الضريبة في البلدان المتطورة واجبا وطنيا ملزم الاداء، تعتبر في البلدان النامية التي يكثر فيها الفساد وبدرجات متفاوتة عبئا ثقيلا يؤدي الى الاحتيال والتهرب.
لكن النظام الضريبي في العراق بالرغم من تعدد قوانينه على امتداد المائة السنة الماضية إلا انه ما زال يتسم بالجمود وعدم قدرته على مسايرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية ومتغيراتها على النطاقين المحلي والعالمي، ما فسح المجال من خلال الفجوات التشريعية التي تلازمه، الى الليونة في التطبيق الامر الذي خلق بيئة ملائمة للالتفاف علية والتهرب من اداء هذا الاستحقاق المهم واتساع دائرة الفساد ليتحول الى اتاوات على حساب حق الدولة، وهذا بحد ذاته يعتبر التحدي الاول للنظام الضريبي اما التحدي الثاني فيتمثل في قدم اجراءات استحصال الضريبة والياتها وتآكلها، الى جانب غياب الاجهزة الاحصائية التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة في توفير البيانات الضرورية لتحديد عدد المكلفين بدفع الضريبة وحجم الاموال التي تتناسب مع عدد ونوع مصادر الضريبة المباشرة وغير المباشرة كضريبة الدخل وضريبة التركات وضريبة رأس المال والضرائب غير المباشرة كضريبة الاستهلاك وضريبة الانتاج وطرق استحصالها، وهذا هو التحدي الثالث، اما التحدي الرابع والمهم فيتعلق بضعف كفاءة الادارة ومظاهر الفساد المتأصلة في هذا الجهاز والذي فتح بدوره ابواب الاحتيال امام الطبقات عالية الدخل الى جانب الشركات الكبرى كشركات الانترنيت وشركات الهاتف النقال مثل كورك وزين واسيا سيل ( حسب اعلان هيئة النزاهة –اين بغداد) ومحاولاتها التملص من اداء واجباتها الضريبية، اتجاه الوطن بالتلازم مع مظاهر الفساد انطلاقا من الثغرات القانونية وحجب البيانات الصحيحة المتعلقة بأنشطتهم الاقتصادية والتجارية وتضليل السلطات المختصة، اما التحدي الاخر فيتمثل في الخطأ الذي يقع فيه الباحثون والمتخصصون في الشأن الضريبي في النظر الى الضريبة ومخرجاتها بوصفها كميات مالية رقمية، من دون الربط العضوي بينها وبين الابعاد الخدمية والاقتصادية والاجتماعية كحق وواجب، بالإضافة الى غياب السياسة الضريبية الموحدة التي تجمع بشكل واضح بين الضرائب والرسوم والغرامات ما تؤدي الى ازدواجية الكلف الضريبية والدفع اتجاه التهرب منها خصوصا اذا مست مداخيل الطبقات والشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود التي تتحمل اليوم في ظل الازمة الاقتصادية المالية العبء الاكبر وانتهاك فظ للعدالة الاجتماعية .
من هنا فان الدولة مطالبة بوصفها السلطة الوحيدة التي تتحكم بضبط الموارد المالية والإنفاق العام عبر موازناتها السنوية، ومسؤولة عن تحقيق العدالة بين الطبقات الاجتماعية على اختلاف درجاتها ونعتقد ان المقترحات التالية يمكن ان تسهم في تحسين اداء الاجهزة الضريبية وكما يلي :
• اتباع نظام الضرائب التصاعدية، وهذا يستلزم قبل كل شيء ضبط الوعاء الضريبي وإيجاد بنك معلومات يمتلك البيانات الحقيقية عن مختلف مداخيل الشرائح الاجتماعية والشركات العامة والخاصة واستخدام التكنولوجيا في ضبط وتبويب هذه البيانات .
• توحيد السياسات المتعلقة بالضرائب والرسوم لتحديد العبء الضريبي والابتعاد عن الازدواجية في فرض التكاليف الضريبية بما يؤذي الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود ويكدر عيشها .
• العمل الحثيث والجاد من اجل تطوير الموارد البشرية العاملة في الاجهزة الضريبية عبر ادخالهم في دورات متخصصة والارتقاء بمستوى ثقافتهم الوطنية ودورهم في البناء الاجتماعي، وتنظيف اجهزتها من العناصر الفاسدة .
• رفع المستوى النوعي للخدمات التي توفرها الدولة للمواطنين وهذا هو الاسلوب الحقيقي والفعال الذي يرفع من مستوي الوعي بمسؤولية المواطن في اداء الضريبة المستحقة والامتثال إلى التشريعات النفاذة .