المنبرالحر

ابعد من تغيير الوزراء ! / محمد عبد الرحمن

لا، ليس هذا وحده هو المطلوب. فالجماهير لم تخرج منذ اواخر تموز 2015 للتظاهر والاحتجاج، ولاحقا للاعتصام ، لمجرد تغيير مجموعة من الوزراء. انما خرجت بعد معاناة ومشاكل وازمات وضعت الوطن على كفت عفريت . فبلادنا تنوء تحت ثقل ازمة شاملة لم تترك زاوية في ارجاء بلدنا الا ومدت اذرع اخطبوطها اليها .
الازمة تلاحق الناس في لقمة خبزهم ، ولا تتعف عن حصد ارواحهم ! اليس هذا ايضا من عقابيل الازمة والمحاصصة، التى امتدت وتوغلت في مؤسساتنا الامنية والعسكرية؟ وبفضل الفساد وتغطية الكتل المتنفذة سرقت اموالنا وهربت الى الخارج ، فيما النزف المالي يتواصل. ورغم الاعلانات المتكررة الرسمية والضجيج العالي والاجتماعات المتكررة لـ «اللجنة العليا لمكافحة الفساد «، لم يفتح ملف اساسي واحد من ملفات الفساد ، ولم تشر حتى التسريبات ،وما اكثرها هذه الايام ، الى ان ايا من تلك الملفات التي جرى الحديث عنها والتهديد بفتحها، قد فتح فعلا، ولم يسأل صاحب تلك التصريحات عنها . اليس اخفاء الحقائق ذات العلاقة بالمال العام والمصلحة العامة، جرما يحاسب عليه القانون ؟
لم يقل لنا احد شيئا عن مصير تقرير اللجنة التي شكلها مجلس النواب للتحقيق في مسؤولية تسليم الموصل الى داعش، والانكسارات التي صاحبت تلك الهزيمة السياسية – العسكرية . وفي هذا السياق اختفى ، ايضا ، تقرير لجنة سبايكر ولم يعد احد من المسؤولين يذكره، في محاولة مفضوحة لطمس معالم الجريمة ، وابعاد الانظار عن المتسببين الاساسيين فيها ! فيما العوائل المنكوبة ما برحت تبحث عمن يدلها على حقيقة ما حصل ! كما لم يتم ذكر اللجنة التي شكلت للوقوف على ما وراء هزيمة قواتنا المسلحة في الرمادي .
وماذا بشأن المحاصصة الطائفية – الاثنية التي قزمت المواطنة ، ونفخت في صورة الفرعيات وشوهت الديمقراطية ، ومزقت النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، واضعفت الى حد لا يصدق قدرات الدولة على اداء واجباتها ازاء المواطنين ، وساد في مؤسساتها سوء الادارة والتخبط واسناد الوظيفة العامة الى من هو غير مؤهل للنهوض بما تمليه من واجبات ومسؤوليات، وغطت المحاصصة على الفساد والمفسدين .
الناس تريد ان تعرف مسؤولية من هذا الهدر في اموالنا وتبذيرها وصرفها بطرق عشوائية ، حتى غدونا نتوسل بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول على ما يقارب 16 مليار دولار خلال 3 سنوات ، في وقت بلغت فيه موازنة سنة 2014 ( التخمينية ) 140 مليار دولار ! ولا احد يعرف ، والعهدة على لجان البرلمان ، كيف صرفت ؟ حيث لم تقدم بها جداول صرف لحد الان الى مجلس النواب.
ويجانب الحقيقة من يقول ان الازمة المالية مردها فقط انخفاض اسعار النفط عالميا ، ويتم التغاضي عن الاسباب الاخرى . ثم لماذا هذه التدهور في الصناعة والزراعة ، وعن اهمالهما ، مع غيرهما من القطاعات الانتاجية ؟
وماذا ، ايضا ، بشأن القضايا الاخرى المهمة مثل الهيئات المستقلة وتركيبتها والتي قامت على اساس المحاصصة وعملت بصيغ حزبية ضيقة. وعن الدرجات الخاصة ووكلاء الوزارات والمستشاريين والمديرين العامين ، والرتب العسكرية والامنية العليا ؟
واين دور مجلس النواب في عملية الاصلاح المطلوبة ، وهو الذي لم يبرر الثقة بعد، ولم يباشر في تشريع القوانين المهمة خصوصا تلك التي لها علاقة بحياة الناس وبناء الدولة ، وترسيخ الممارسة الديمقراطية واقامة مؤسساتها ، وفي مقدمتها تشريع قانون عادل للانتخابات .
ولا يتوجب للحظة واحدة نسيان او تناسي ان الجماهير خرجت وتظاهرت واحتجت اساسا على سوء الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء ، والتي لم يتحسن حالها رغم اغداق الوعود وصرف المليارات ، فيما الصيف على الابواب ، واهل البصرة لم ولن ينسوا شهيدهم منتظر الحلفي . هذا اضافة الى تردي الحالة المعيشية وتزايد معدلات الفقر والجوع والبطالة ، وتفاقم مأساة اللاجئين والنازحين .
نعم، خرجت الناس من اجل هذا كله ، من اجل الاصلاح الشامل وفقا لاستراتيجية واضحة، وفي سبيل الخلاص من المحاصصة الطائفية – الاثنية .
وبناء على ذلك فان مهمة الحراك الشعبي لم تنته بعد ، انما كبرت مسؤوليته. ذلك ان الفرق كبير بين الوعود .. والواقع الملموس .