المنبرالحر

هل هو نفق جديد؟ / مرتضى عبد الحميد

كثيرة هي الانفاق التي عودنا المتحاصصون عليها، وادخلوا العراق فيها شعباً ووطناً من دون ان تلوح ذبالة ضوء في نهاية اي منها! وقد يدعوا في ذلك والحق يقال، ليس بسبب ذكائهم طبعاً، بل نتيجة جشعهم وانانيتهم اللذين لا تحدهما حدود ولا تعرف لهما ضفاف.
هذه المرة، كان الامر مختلفاً، وبان الضوء ساطعاً في نهاية النفق، بفضل الحراك الجماهيري وتصاعد وتيرته وتجذر شعاراته فارتعدت فرائص الحكام وانخرطوا في ماراثون سياسي، سداه ولحمته تملق الجماهير والمزايدة عليها حتى في شعاراتها، لكن اغلبهم عملياً، هم ضد الاصلاح والتغيير.
وبذلوا المستحيل لاجهاض الحراك ومنعه من الوصول الى اهدافه الحقيقية، ومن اجل ذلك مارسوا الكثير من الضغوط، ومن التهديد والوعيد بعضها في العلن، وبعضها تحت الطاولة، بل وتمت الاستعانة ببعض الاطراف الاقليمية للتأثير على المعتصمين والمتظاهرين واجبارهم على القبول بأقل القليل.
ان الجماهير الغفيرة تفجر غضبها، بعد ان وصلت الازمة السياسية حدا لا يمكن السكوت عليه او القبول به لانها سدّت على العراقيين منافذ الحياة، وباتت تهدد وجودهم، ولذلك فهي تريد تغييراً فعلياً واصلاحاً حقيقياً وليس تغييراً لبضعة وزراء او حتى للكابينة الوزارية كلها.
لقد كانت الشعارات والهتافات واضحة لا لبس فيها، مطالبة بالاصلاح الشامل في كل مؤسسات الدولة، فالفشل والفساد والمحاصصة لا تقتصر على الحكومة وحسب، وانما يشمل (نواب الشعب) الذين لم يتخذوا من القرارات ما ينفع الشعب العراقي الا ما ندر. كما يشمل مؤسسة القضاء، الملاذ الآمن لعدد غير قليل من «الديناصورات البشرية».
ان الوعود التي اغدقت وحاولت تخدير الجماهير كثيرة جداً، سواء على صعيد توفير الخدمات، وهي الشرارة التي اشعلت لهيب الانتفاضة او على صعيد مكافحة الفساد ومحاربة الارهاب، او الخلاص من المحاصصة، السم الزعاف في طبق العملية السياسية وغيرها الكثير. لكن الحصيلة النهائية كانت لصالح « دبش «.
وهذا يشمل حتى الاصلاحات الجزئية، التي حاول القيام بها الدكتور العبادي وآخرها التغيير الوزاري الذي لا يشكل الا جزءاً صغيراً من عملية الاصلاح، ومن مطالب الجماهير المكتوية بنار الفاسدين والفاشلين. فقد جوبه بحملة شعواء من المتنفذين والمتحكمين بالعتلات الرئيسة في عجلة السلطة، وسوفت بعدم التصويت عليها وتأجيلها لعشرة ايام، ربما ستجد وراءها عشرات أخر، سيما وان مجلس النواب شكل لجنة لدراسة سيفيات المرشحين للوزارة، ثم تعرض بعد ذلك على المجلس الذي اعلن العديد من اعضائه ومن كتله عن معارضتهم لما ورد فيها من اسماء.
يبقى الامل في اجبارهم وتحقيق انجاز يليق بتضحيات العراقيين الشجعان الذين هزوا ساحات التظاهر والاعتصام، مرهوناً بمواصلة الحراك الجماهيري السلمي، الحضاري واستقطاب المزيد من المواطنين للمشاركة فيه.