المنبرالحر

مؤتمر اتحاد الادباء الرابع والمشروع الثقافي الغائب! / مزهر بن مدلول

بعيدا عن الفقاعات الاعلامية والسياسية!، وبعيدا عن تطبيل الطارئين والمنتفعين، فأنّ السيدة التي نسميها (الثقافة العراقية)، هرمت الى الحد الذي لا ينفع معها حتى لو لطخنا وجهها بالمساحيق، وما على الطبيب الشاطر الاّ نقلها الى غرفة العمليات الجراحية!.
هذا الاستنتاج الغير متشائم! جاء من متابعة ليس بالقصيرة للمشهد الثقافي الرديء الذي تجلت صورته بانتشار القيم الزائفة والانحطاط الاخلاقي على كافة المستويات بما في ذلك السياسية والاجتماعية، وبات عاجزا عن ابتكار الافكار التي من شأنها ان تدفع حركة المجتمع الى الامام.
لا شك، في انّ للحروب السابقة والحالية، وسياسات القمع والتنكيل، والصراعات الدموية التي تتمحور حول النفوذ والثروة، دورا اساسيا في تدهور الذوق والفن في المجتمع العراقي -المربد وما آلَ اليه نموذجا-، لكنّ ذلك لا يمنع المثقف من ان يمتلك الجرأة في البحث عن مرفأ جديد ترسو عليه سفينة الثقافة العراقية.
وعلى الرغم من صعوبة ذلك في وسط هذه الظلمة الهائلة، الاّ انّ المبدعين الصادقين الذين يحترفون التنقيب، سوف لن يترددوا في مواصلة الطريق، لا سيما وان بلاد مابين النهرين غنية بموروثها الثقافي والعلمي والمعرفي، والذي هو الان بحاجة لمن يزيل عنه الغبار الذي تراكم بسبب التعسف والاهمال على مدى عقود خلت.
انّ عملية ارساء اسس متينة لمشروع ثقافي معاصر، جوهره العيش المشترك والتقارب بين الالوان الثقافية والتعددية وترسيخ مفاهيم السلام واستعادة الهوية، تتطلب معرفة صادقة بالحاجات المادية والروحية للمواطن العراقي، ولهذا تقع على عاتق المثقفين ومؤسساتهم الثقافية وفي مقدمتها اتحاد الادباء، ان ينقلوا هذه القضية الهامة -المشروع الثقافي- الى قلب النقاش السياسي والمجتمعي، لكي نخلق فضاءا واسعا من التعدد والاختلاف الذي سوف يكون رافعة من روافع الحداثة والتطور والتنمية، فلا نخشى تعدد الجمعيات والمؤسسات الناشطة في ميدان الثقافة، لأنّ ثقافتنا العراقية كما هو معروف، لم تكن يوما محصورة في نمطية احادية، وانما هي انجاز مشترك لشعوب عديدة قطنت بلاد الرافدين واشتركت في صناعتها، فخرجت منها ثقافة متنوعة احتوت على جميع العناصر المضيئة فيها.
وانطلاقا من هذه النقاط البسيطة، تأتي اهمية السعي لاخراج ثقافتنا من دوامة التناحر، وذلك في البحث عن القاسم الانساني المشترك واللغة الوسيطة التي تجمع شتاتها، وتجعلها المحرك الاساسي في مخاطبة قيم الحرية والكرامة وسعادة الانسان، وهذا ما يجب ان ينهض به اتحاد الادباء وخاصة في اطلاق سراح الابداع من عزلته وجدرانه الضيقة الى اوسع افق اجتماعي ممكن.