المنبرالحر

ماذا تفعل أفلام الـ Action العربية بالشباب العربي / د. ناهدة محمد علي

من المعروف أن أفلام العنف والحركة الأمريكية والأوربية تعتمد على السيناريو المحكم والتسلسل الدرامي والمنطقي ، مع تبيان الهدف من الفلم والذي يمثل توجهات المخرج ، ويكون على الأكثر قيمة أخلاقية وهي ليست بالضرورة إيجابية ، بل قد يتجه المخرج إلى توجهات تؤكد مبدأ البقاء للأقوى والأذكى مع تبيان المسوغ لذلك وإقناع المشاهد بوجهة نظر المخرج ، وهنا تكمن القدرة التكنيكية للمخرج الغربي على الإقناع بالصورة والمؤثرات الصوتية وإختيارات الكادر المناسب أي سعة المساحة في الصورة والتلاعب بأبعادها وعمقها ، وإختيار الممثل المناسب بوجهه وشخصيته وطريقة نطقه للكلمات واللغة المستعملة . ومع وجود السيناريو المحكم قد يقتنع المشاهد بأن هذا القاتل له كل الحق بإرتكاب الجريمة وقد يتعاطف معه أيضاً الجمهور لقوة الأسباب والتقديم المنطقي لهذه الجريمة ، كأن يُنقذ البطل طفل أو مدينة من الهلاك فينفذ عدة عمليات قتل . وقد تثير قوة الحركة للممثلين وسرعتها المُشاهد فيتقمص الدور ويدخل داخل العملية الدرامية ، وإن لم يستطع أن يكون هو البطل أثناء العرض فسيكونه بعد الفلم وفي الحياة العامة .
إن أبطال هذه الأفلام هم المثل الأعلى للكثير من الشباب الأوربي فقد يقربه من الجريمة أو قد يبعده عنها ، لذا فإن كَتَبَة هذه السيناريوات هم في الحقيقة مربين فاعلين لهؤلاء الشباب ، وهنا تكمن قوة التكنيك السينمائي للسينما الغربية في إستخدام أدواتها إبتداءً بالكامرة وإنتهاءً بمواقع التصوير والتي قد تثير الخيال أو تثير الإشمئزاز والرعب .
إن أفلام الحركة والعنف العربية تأتي بتقليد مشوه للأفلام الغربية . فإختيار المواقع التي تشبه الطبيعة والمباني الأوربية وإختيار الممثلين وحركاتهم التي تقلد النجوم الأوربيين والسيناريو الذي يعتمد على أحداث وتجارب قلما تحدث في البلاد العربية ، فتسلق فتاة لناطحة سحاب أو إقتحام البنوك ذو التكنيك العالي يبدو غير منطقي ومقنع ، وليس المهم هنا أُسلوب العرض وتبيان قابلية المخرج السينمائية ، بل المهم هو وقائع الأحداث التي لا تبدو حقيقية والتي تخالف طبيعة المجتمع العربي ، فلهذا المجتمع خصوصية واضحة في مشاكله الإجتماعية وفي أساليب العنف الممارسة ونوع الممارسين لهذا العنف من خلال فرز الشرائح الإجتماعية التي يبرز فيها العنف . ويجب أن تكون أسباب العنف مُسبَبَة للمشاهد لكي تقنعه بالسبب والنتيجة . ففي عالمنا العربي مساحات العنف تكون عادة ضيقة إلا في حالة العنف الجماعي أو المنظم من قِبل فرق إرهابية منظمة من قِبل أية جهة كانت ، ولا يرتفع مستوى التكنولوجيا في إستخدام السلاح أو أساليب المواجهة . وقد تتشكل أسباب العنف الدرامي من قِبل الأعراف القديمة أو التوجهات السياسية المختلفة المرتبطة بالأوضاع الإقتصادية . وإذا كانت الأسباب مقنعة لحدوث هذا العنف الدرامي كالفقر أو الجهل أو الظلم الإجتماعي فقد يتعاطف المشاهد أو أكثر من ذلك فقد يتقمص شخصية أبطال الفلم ويصبح مقاتلاً لمجتمعه لتحقيق الهدف الذي حققه أبطال الفلم . إن المشكلة في هذا كله هي في كون هدف المخرج هو خلق فعالية عدوانية بقصد إمتاع المشاهد ، فيمتلك المخرج في هذا شباك التذاكر وعقول المشاهدين الشباب ، فيخرج منهم من يمارس عدوانيته داخل بيته أو في داخل منطقته أو مجتمعه بقصد النجومية أو الإصلاح ، فتتحول بهذا مجاميع من الشباب إلى مصلحين مفسدين ، حيث يتقمص الشاب شخصية البطل لكنه لن يستطيع الدخول إلى جوهر الفلم إذا كان الفلم توجهه تربوياً وإصلاحياً ، أما إذا كان الفلم كما ذكرت سابقاً توجهه تجاري فسيقلد الشاب السلوك العدواني والحركات البهلوانية لكي يصبح ( طرزان أو سوبرمان ) مجتمعه .
إن دور الإعلام في تربية الجيل الجديد قد أخذ موقع الصدارة في تأثيره الفاعل بعد أن كان موقعه الثالث بعد الأسرة والمدرسة لكثرة عدد الساعات التي يقضيها المراهقون الشباب أمام شاشات التلفاز والكومبيوتر . لذا تُعتبر دراما الـ Action وسيلة خطرة وفعالة في صياغة السلوك العدواني والوحشي لدى جيل الشباب ، وقد دلت الكثير من الدراسات الإجتماعية الأمريكية على أن الكثير من مدمني الجريمة هم في الحقيقة من مدمني أفلام الأكشن وبالتحديد أفلام الجريمة .
وندرج أدناه أسماء بعض الأفلام الأجنبية التي تُكرس وتكشف أيضاً واقع العنف والجريمة والتي عُرض البعض منها على الشاشات العربية :-
الشاشات العربية :-( Black Belt , Swordsmen , The Defender , The Green Mile , Hunger , T Hurricane )
لا يمكن للمخرج السينمائي أن يخرج بواقع منطقي من أُسس غير منطقية في المجتمع العربي ، وقد سار الكثير من المخرجين العرب على طريق تشويه الواقع العربي للرأي العام الغربي والمحلي ، وهناك قائمة كبيرة من أسماء أفلام الأكشن التي إختلطت عليها المقاييس ، فخلطت العنف بالعواطف الإنسانية وجعلت من المجرم عاشقاً ولهاناً لكي يتعاطف معه المشاهد ويبرر له أفعاله وليس هناك رؤية واضحة للخط الدرامي المتصاعد ولخط الجريمة وأهدافها ، وكل ما يراه المشاهدون يجعل المرضى منهم يتلذذون بمشاهد العنف والأسوياء قد يبتعدون وقد يقتربون واقعين في حبائل المخرج أو كاتب السيناريو . وندرج هنا بعض أسماء هذه الأفلام والتي يسود فيها العنف غير المبرر والتي تنشط الرغبات العدوانية لدى الشاب العربي مثل :-
فلم ( شد أجزاء 2015 - ، جمهورية إمبابة — 2015 ، وش سجون 2014 - ، ولاد رزق 2015 - ، خطة بديلة 2015 - ، القط - 2015 ، كرم الكينج 2015 - ) .
كل هذه الأفلام وغيرها الكثير تروج لعالم الجريمة والمخدرات بشكل أو بآخر ، وقد يكون المخرج قاصداً العكس لكن الذي يرسخ في أذهان المراهقين هو كيفية الكسب السهل للثروات وعالم الإنتصار المثير لهم . وقد ينجح المخرج في إيصال فكرة تربوية أو قيمية جيدة ويعود هذا لقوة تكنيكه .
إن السؤل الكبير هو لماذا العنف ، هل هو ضرورة أو متعة ، وفي الحالة الثانية يصبح الفلم متعة للمصابين بالهوس العنفي وليس للعامة ، أما إذا كان ضرورة فهو للدفاع القسري عن النفس أو عن المجتمع .
إن الممثل العربي يجاهد في تغيير ملامح وجهه وجسمه وحركته وطريقة إستخدامه للسلاح تقليداً للممثل الغربي فيخرج بهذا الممثل من شخصيته الحقيقية متقمصاً شخصية أحد النجوم الغربيين . وهكذا فإن واقع هذه الأفلام تبتعد عن الواقع الإقتصادى والإجتماعي العربي ، فتأتي نُسخاً مشوهه لأفلام الدرجة الأولى الغربية . إن مُثُلنا العليا تستدعي أن تخلق أفلام الحركة جيل من الشباب بقيم تكاد تختفي من قاموس المجتمع العربي مثل ( الشهامة والنخوة ) التي تجعله بطلاً حقيقياً لا عدوانياً ، وقد سادت هذه القيم لقرون عديدة وبإمكان الدراما العربية أن تعيد لهذه القيم مكانتها ليصبح الشاب العربي بطلاً أسطورياً حقيقياً وليس بطلاً خرافياً ، يتسم نشاطه الحركي بالخير والذي حتماً تستطيع الدراما السينمائية أن توجهه نحو الشر لقوة التأثير النفسي لفن السينما إذ أصبحت الدراما السينمائية أدب القرن الحادى والعشرين كما قال المخرج الفرنسي ( كلود ليلوش ) .