المنبرالحر

الطبقات والصراع الطبقي.. حالة العراق / د. عودة ناجي الحمداني

ظهرت ملامح الصراع الطبقي في المشهد العراقي في ثلاثينات القرن العشرين كنتيجة لنشوء الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية. وتمحور الصراع بشكل اساسي في فترة الاربعينات بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والفئات المسحوقة وبين البرجوازية الرجعية من الاقطاع ووالكومبرادور واقسام من البرجوازية الصغيرة. فقد تحالفت البرجوازية الرجعية مع سلطة الاستعمار البريطاني الذي يحكم العراق آنذاك بينما اختارت الطبقة العاملة وحلفاؤها معاداة الاستعمار، والنضال الوطني من اجل التحرر والاستقلال. ولتحقيق اهداف الشعب الوطنية في تحقيق الاستقلال الوطني سعى الحزب الشيوعي العراقي باعتباره احد اكبر الأحزاب الوطنية الممثلة لمصالح العمال والفلاحين والكادحين والمثقفين التقدميين الى تشكيل حركة جماهيرية واسعة معادية للاستعمار والرجعية. فقام بتأسيس النقابات العمالية والاتحادات الطلابية والنسوية والجمعيات الفلاحية والمنظمات الشبابية للنضال السياسي من اجل استقلال العراق وتحريره من التبعية الاستعمارية.
بعد نيسان عام 2003 شهد العراق تحولا جذريا تمثل في انهيار نظام الدكتاتورية الدموية واقامة نظام محاصصة طائفي تحت مظلة الادارة الامريكية التي خططت لضم العراق الى حظيرة البلدان المتخلفة كي تفرض عليه وصاياها وتستنزف موارده وثرواته عبر آليات اقتصاد السوق والتجارة الحرة والخصخصة واصلاحات صندوق النقد الدولي. وقد عملت حكومة بريمر والحكومات التي جاءت بعدها بكل ما في وسعها من اجل التحول نحو الرأسمالية والترويج لخصخصة مؤسسات الدولة الصناعية. فقد ادى اطلاق العنان للنشاط الطفيلي والانفتاح المنفلت على الخارج وعمليات الفساد المالي والتجاري والرشا الكبيرة الى تكوين طبقات وشرائح برجوازية طفيلية وبرجوازية بيروقراطية وعقارية وكومبرادورية من القوى المتنفذة في السلطتين التنفيذية والتشريعية. وقد جنت بسرعة فائقة ثروات طائلة تقدر بمئات المليارات من الدولارات من عمليات النهب والاستغلال واصبحت مصالحها الطفيلية تتعارض مع مصالح الشعب وترتبط ارتباطا عضويا بالرأسمال الطفيلي الاجنبي. وبذلك اصبح لهذه البرجوازيات حظوة كبيرة في صناعة القرار السياسي للدولة العراقية. وتستطيع بما لها من قوة اقتصادية وسياسية وطائفية ان تخضع سياسات الدولة لما تقتضيه مصالحها واهدافها. واصبح من مصلحتها ان تتخلي الدولة عن ملكية المنشآت الصناعية وغيرها من المؤسسات وان تسرع الخطى نحو اقتصاد السوق والخصخصة بغض النظر عن التداعيات المؤلمة وانعكاساتها المدمرة على المجتمع والاقتصاد العراقي.
لقد ادى نهج الدولة الريعي وعدم الاهتمام بالاستثمار الانتاجي وتنمية قطاعات الانتاج المادي والحد من النشاط الخدمي الطفيلي الى النمو السريع لثروات مالية خيالية عند الطبقات والشرائح الطفيلية التي تهيمن على معظم النشاطات الربحية في قطاع التجارة والمقاولات والعقارات وعقود التراخيص والقطاع المالي وغير ذلك من النشاطات التي تدر ارباحا خيالية من دون حسيب ورقيب. ومن المعروف ان الأحزاب المتنفذة في السلطة توفر الحماية والحصانة للفئات الطفيلية النهابة وتبرر استحواذها اللا شرعي على المال العام، فهي تنتمي اليها وترتبط بها ارتباطا مباشرا. ولهذا فمن مصلحة الفئات الطفيلية واحزابها المنتفعة ان يبقى العراق في فلك السياسات الطائفية والفوضى الادارية وان يبقى البلد قابعا في ازماته الاقتصادية والمالية لكي تستغل الازمات لزيادة ثرائها. ولهذا فإنها تعمل على اجهاض اي توجه لتنفيذ برامج تنموية تعيد الحياة الى القطاعات الانتاجية التي تخلص البلد من الاعتماد على الاستيراد الخارجي.
فمنذ عام 2003 اصبح العراق ساحة لصراعات القوى الدولية والاقليمية وبات يعيش أوضاعا سياسية واقتصادية وطبقية معقدة ويتأثر بشكل مباشر بالأوضاع الإقليمية والدولية ويساهم ذلك في تأزيم الصراع الطبقي والسياسي بين النخبة الحاكمة الممثلة لمصالح الطبقات الطفيلية وبين فئات المجتمع التي تعاني من التهميش السياسي والاقتصادي. ان الصراع في العراق لا يتسم بالوضوح فهو ليس صراعا تناحريا تقليديا بين الطبقة البروليتارية والطبقة البرجوازية كما في المجتمع الرأسمالي. وانما هو صراع بين مختلف فئات المجتمع العراقي المهمشة وبين حكومة المحاصصة الطائفية التي حولت العراق الى دولة فاشلة. لقد وفر الاحتلال الامريكي البيئة الخصبة لنمو الشرائح البرجوازية والطفيلية وقدم الحماية والدعم السياسي للنخبة الطائفية الحاكمة في سبيل تكوين القاعدة السياسية والاقتصادية لنمو الرأسمالية وتطورها في العراق واسفر ذلك عن نشوء شرائح ومافيات جديدة ذات طبيعة احتكارية تتحكم في مفاصل الاقتصاد وتسيطر على الاستيراد والتصدير وتتلاعب في اسعار السوق. من هذه المافيات:
1- الشرائح الطفيلية الموالية والداعمة لنظام المحاصصة والتي اصبحت تشكل جزءا مهما من قاعدة النخبة الحاكمة وتروج لسياساتها وتعمل على دعمها.
2- مافيات قطاع النفط التي تهيمن على العمولات وتحصل على الرشا وعلى نسب عالية من الأرباح سواء من عقود النفط او من تهريب النفط الى الخارج.
3- طبقة كومبرادورية يتركز نشاطها في مشروعات الارباح السريعة كالتجارة والعملات
الصعبة والعقارات والمضاربات في الاسواق على حساب قطاعات الانتاج.
فقد اصبح شعار النخبة الحاكمة وحاشيتها من الطفيليين الجشعين اثري أولا والتوزيع العادل فيما بعد.
فالي جانب الطبقات والفئات المهمشة من الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وممن يطلق عليهم حثالة البروليتاريا تتعرض شرائح واسعة من الطبقة الوسطى الى التهميش والاقصاء مما يجعلها تقف الى جانب المكافحين من اجل الخروج من نفق الطائفية والاصلاح والتغيير الجذري.
وتتعرض الطبقة العاملة في ظل سلطة القوى الطائفية الى مزيد من الاستغلال والاضطهاد وذلك من خلال العمل على تدمير الصناعة الوطنية وخصخصة المؤسسات الصناعية والتوقف عن دفع رواتب العاملين في مؤسسات القطاع العام.
وادت هذه السياسات العمياء الى تدمير قطاع الصناعة وازدياد اعتماد العراق على الخارج فضلا عن تعرض فئات واسعة من شغيلة اليد والفكر الى البطالة والجوع. وتضاف الى معاناة هؤلاء معاناة فئات كثيرة مهمشة ومتعبة اقتصاديا واجتماعيا تعاني العوز والفقر ومنها العمالة الموسمية والباعة المتجولون والحمالون والشحاذون والكناسون وما شابه ذلك ممن يسمون بحثالة البروليتاريا.
ان فلسفة الدولة القائمة على التحول نحو الرأسمالية واقتصاد السوق من شانها ان تضعف دور الطبقة العاملة في التحولات الاقتصادية والسياسية ويعرضها للمزيد من التدهور في احوالها المعيشية.
ان فشل الدولة في اصلاح القطاع الزراعي ودعمها شيوخ العشائر والإقطاعيين وإغراق البلد بالسلع الزراعية المستوردة ادى الى تدهور الانتاج الزراعي وزيادة معاناة الفلاحين الزراعيين وهجرة اعداد كبيرة منهم الى المدن للبحث عن العمل والمعيشة.
ان الطبقات الثرية التي نشأت في العراق بدعم الاحتلال الامريكي اصبحت تشكل الارضية الاقتصادية الرأسمالية الجديدة . فالاحتلال الامريكي عمل على توفير البيئة الخصبة لنمو الرأسمالية وتطورها. ووفقا لمجلة فورس الامريكية فان سبعة عشر سياسيا في العراق اصبحوا في فترة وجيزة من اغنى العراقيين ويمتلكون ثروات نقدية واصول عقارية كبيرة ووفقا لما نشرته وكالة جي بي سي نيوز الامريكية فان الثروات النقدية لهؤلاء الأثرياء الجديد بلغت 322,5 مليار دولار. والاسماء المذكورة جميعها من قادة الكتل والاحزاب العربية والكردية المتنفذة في السلطة. ووفقا لمصادر هيئة النزاهة فان الهيئة استلمت من السفارة الاميركية في بغداد تقريرا مفصلا عن هذه الثروات الخرافية. وبحسب التقرير الامريكي فان هذه الثروة موزعة بين الكتل وبعض نوابها وهي تشمل جميع الكتل المتنفذة.
وبذلك تولد تناسب طردي بين معدل الثراء الطفيلي ومعدل الافقار فمع بزوغ كل يوم جديد يتراكم رأس المال عند شرائح اجتماعية بعينها ويزيد من ثرواتها وفي نفس الوقت يتزايد الحرمان والتهميش والافقار لأعداد كبيرة من المواطنين. وبذلك انقسم المجتمع الى قسمين متمايزين الاول الذين يستحوذون على السلطة والمال والجاه والامتيازات والثاني الفقراء الذين استبعدوا عن السلطة والثروة.
«مقتطفات»