المنبرالحر

حول ملكية وسائل الإنتاج في الظرف الراهن / علي عبد الواحد محمد

في بلداننا التي اصطلح على تسميتها النامية ، وأكثرها ليست كذلك ، توجد أشكال متعددة ومتنوعة من ملكية وسائل الإنتاج ،ويسري ذلك على
اغلب البلدان المتطورة أيضاً ، في هذه الحالة يكون الشكل السائد للملكية والتشريعات المتفرعة عنه، وكذلك المضادة له ، جميعها تطبع المرحلة التاريخية المعينة بطابعها ،وتحدد بالضبط موقع هذه الطبقة أو تلك في عملية الإنتاج وبالتالي حصة كل طبقة من صافي الدخل القومي ، وهذا يسري على كل البلدان ، وتكون دليلا رئيسيا على شكل النظام السائد وفق المنظور الكلاسيكي للتقييم . ففي المراحل الأولى لتطور الرأسمالية العالمية ، شكلت ملكية وسائل الإنتاج الفردية كونها الشكل السائد (1 ) وتناقضها الموضوعي مع الطابع الاجتماعي للعمل، شكلا السمة العامة للرأسمالية. وتناقضها الأساسي لأنها أضحت، إي هذه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ،الوسيلة الأساسية لاستحواذ الرأسماليين على الأرباح من خلال الاستحواذ على القيمة الزائدة. وعليه فإن ملكية وسائل الإنتاج تعتبر المؤشر الأساس عن نوعية النظام الاقتصادي الاجتماعي ، وأصبحت سمة الأنظمة الطبقية بشكل خاص ،بدأ من العبودية حيث ملكية العبيد والأعراف المميزة لها، سواءً كانت هذه الملكية جماعية أو فردية، ، عرفت بنظام الرق ، وكانت ملكية ألأرض الفردية كوسيلة إنتاج رئيسية ، والقوانين المتفرعة منها ، قد عبرت عن النظام الإقطاعي ، وملكية وسائل الإنتاج الحديثة وقوانينها عن النظام الرأسمالي .
مع التطورات العاصفة التي يشهدها العالم سواء على الصعيد السياسي ام على الصعيد الاقتصادي ومع التطورات الاجتماعية الفائقة ،نرى إنه قد حدثت بالمقابل تطورات واسعة في مسائل هامة كمسألة السلطة والحصول عليها ، فصار هناك ميل كبير لتغليب الطابع الديمقراطي البرلماني لتداول السلطة ،على الطابع العنيف الثوري للوثوب إليها، فانعكس ذلك على البناء التنظيمي للأحزاب المختلفة وخاصة الأحزاب العمالية والشيوعية ، وأصبحت الديمقراطية هاجسا عاما لها في حياتها الداخلية، تتمسك به ، مما حدا بها أن تعيد النظر في أنظمتها الداخلية و برامجها ومواقفها عامة، في الوقت نفسه أصبحت هناك مقدمات وبوادر للتداخل ما بين الطبقات والفئات الاجتماعية وفي كثير من الأحيان أصبحت الحدود بينها غير واضحة المعالم ( يستثنى من ذلك أعضاء مجالس إدارات الاحتكارات الكبيرة وعددهم ليس قليل ). وساهم في ضياع البوصلة وتشوش أداة القياس هو إقدام بعض الدول الأوربية على منح مواطنيها دخلاً شهريا مجزيا سواء أكان المواطن يعمل أو لا يعمل . وانتشار أسواق البورصة في معظم أرجاء العالم تقريباً حيث أصبحت سندات الملكية في المؤسسات الكبيرة متاحة للجميع من خلال مضاربات بيع وشراء هذه السندات ، فأصبح تعيين الملكية الفردية لوسائل الإنتاج ضائع بين الركام الهائل من المظاهر الجديدة في النظام الرأسمالي العالمي ومنها المكاسب والتشريعات الاقتصادية والاجتماعية التي جاءت بفعل النضال المتصاعد للعمال ونقاباتهم وأحزابهم في الدول الرأسمالية المتطورة رغم محاولات اليمين وأحزابه الهجوم على هذه المكتسبات في أي منعطف ، وخلال الأزمات العامة والأزمات المالية ، وهذه الأزمات المتنوعة ما زالت تضرب هذا النظام رغم عمليات التمويه والتجميل . التي من ضمنها سوق السندات التي تضفي على الملكية طابعا اجتماعيا ظاهريا ولكن لا تغير في جوهر هذه الملكية ، كما تنبأ عنها ماركس. إذ ما زالت الرأسمالية هي نفسها حتى في البلدان التي يقال عنها بلدان الرفاه الاجتماعي ، حيث ما زال الرأسماليون يستحوذون على الجزء الأكبر من الثروة الاجتماعية ، رغم إن التشريعات في هذه البلدان أرغمتهم على المزيد من التنازلات لصالح العمال وغيرهم من السكان ، فما زالت المؤسسات الكبيرة تبتلع المؤسسات الأصغر ، وما زالت الأزمات تلقي بثقلها على العاملين أثناء حدوثها ، حيث ما زالت أفواج المسرحين من العمل بازدياد .بالتأكيد أن جوهر النظام الرأسمالي لم يمس ،ولكن عذابات العمال ومعاناتهم أصبحت اقل في بلدان الرفاه . فيما يتعلق بالملكية في بلدنا العراق ،فهي منوعة أيضاً ، ولكن وسائل الإنتاج التي تمدنا بالجزء الأكبر من المورد المالي"الناتج المحلي الإجمالي " ( 2 )، تتركز في مجال صناعة استخراج النفط الخام وتصديره ، وكذلك مصافي التكرير والتصفية ، فهي بيد الدولة العراقية ،التي لم تعمل على رعاية القطاعات الاقتصادية الأخرى ولم تعمل على تنميتها فبقي الاقتصاد العراقي يحتل موقعا لا يحسد عليه في النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي فهو تابع لهذا النظام العالمي ، بكونه مصدرا للمواد الخام ومستوردا للمواد المصنعة. ومن جانب آخر ما زال هذا الاقتصاد يحافظ على تخلفه بجدارة واعتماده على النفط كمصدر أساسي لدخله القومي .
---------------
1: الشكل السائد للملكية هو الشكل الذي يطبع المرحلة التاريخية بطابعه على اعتبار وجود أكثر من شكل للملكية في المرحلة نفسها ، فمثلا في مرحلة الرق ، ظهرت الملكية الإقطاعية للأرض وكان هناك الحرفيون ، وفي مرحلة الإقطاع ، ظهرت المانيفكتورة ، والنقود أيضاً، وهكذا
2 : وسائل الإنتاج لوحدها غير قادرة على الإنتاج ما لم تفاعل مع كل شروطه وفي المقدمة منها قوة العمل .