المنبرالحر

سلاما يا عراق هولوكوست 8 شباط */ هاشم العقابي

لو كانت وسائل الاتصال والموبايلات موجودة في مثل هذا اليوم من العام 1963 لسجّل التاريخ بالصوت والصورة أبشع هولوكوست عراقي في العصر الحديث. لم يعهد العراقيون يوما أن انتهكت فيه الاعراض والأرواح والأحلام والسكينة العراقية مثل يوم 8 شباط. كان يوم استباحة تترية نفذّها همج رعاع في مشيتهم ولغتهم ولهجتهم وسلوكهم وطريقة رصف شواربهم. جاؤوا من بلاليع الفاشية ليطشوا القبح بوجه الجمال، والظلام بوجه النور، والسفالة بوجه الحياء وليؤسسوا بداية حفر المقابر الجماعية بالعراق. ادعو القارئ الذي ليس من الجيل الذي عاش أحداث ذلك اليوم ان يبحث عن كتاب «المنحرفون» فلعله يفهم سر ما حدث بالعراق من خراب من يومها الى اليوم.
في مثل هذا اليوم حلّت أم النكبات بالعراق. ليس بشدة دمويتها واسودادها، حسب، بل ان الذين فعلوها ظلوا يسمونها «عروس الثورات». وظلوا يفرضونها على الناس عطلة رسمية تقام بها الاحتفالات ويتغنى بها المطربون والمطربات. أي نكد أشد من ان يأتيك قاتل اخيك او أبيك ويرغمك على الرقص في عرسه؟ لو كانت لديّ دولة فيها حكيم يسمعني لعممت كتاب «المنحرفون» على المدارس. ولناشدت العراقيات ان يلبسن السواد في مثل هذا اليوم من كل عام، وان تنكس فيه الأعلام في كل دوائر ومؤسسات وشوارع العراق.
كل هذا في كوم وكلام البطرانين الذين يضعون اللوم على عبد الكريم قاسم في كوم. ليش يابا؟ يقولون لأنه هو أول من مهد لثورة العسكر. نسى هؤلاء، او ربما بسبب جهلهم قد تناسوا، مسار الحركة التاريخية في أيامها. لم تكن هناك ثورات شعبية في الدول العربية. وان حدثت فمصيرها الفشل حتما. كان المزاج العام ضد الاستعمار وضد ظلم الاقطاع الذي استفحل في ظل النظام الملكي. ناهيكم عن العزل الطبقي الذي حرم أبناء الفقراء من الوظائف والمناصب. كادت الطبقة الوسطى في العراق أن تكون شبه معدومة والفضل لعبد الكريم قاسم في إنعاشها. هكذا كان ذلك الزمن: لا تغيير إلا من خلال العسكر. والدليل انهم لم يقتلوا عبد الكريم قاسم لأنه عسكري بل لأنه من طينة غير طينتهم ولأنه انحاز للفقراء باعتراف حتى الدّ اعدائه.
لقد بيع العراق في اللحظة التي بيع فيها عبد الكريم قاسم. اختصر شاعرنا العراقي تلك البيعة بقوله:
يحسين الجفوف الباعتك بالماي
لهسّه تبيع كل حسين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرها الكاتب يوم 8 شباط الماضي على صفحته في الفيسبوك، ونعيد نشرها اليوم بعد الاعلان عن فتح ملفات المذابح ضد الشيوعيين في اندونيسيا سنة 1965. علماً ان انقلاب 8 شباط اعتبر في حينه بمثابة تمرين (بروفة) للانقلاب في اندونيسيا بعده بسنتين.