المنبرالحر

ودع البزون شحمه / صباح راهي العبود

مفهوم الأمانة في قواميس اللغة يعني الصدق والإخلاص والثبات على العهد والوفاء ،وهي عكس الخيانة. وليس للمؤتمن على أي شيء حق التصرف بما ليس له من مال أو غيره سبق وأن أُؤتمن عليه كوديعة. أما الأمين فهو الشخص الذي يتصف بكل الصفات الحسنة المذكورة.
في إستبيان شمل مجاميع واسعة من البشر حول أبرز صفة محببة يجدها في القائد أو الحاكم ،إتضح أنها صفة الأمانة والتي تعني أيضاً الإستقامة على طريق الحق وإجتناب كل ما هو محظور دينياً وإجتماعياً . فإذا أبتليت مجموعة من البشر بحاكم غير مؤتمن فعلى الإسلام السلام.
قبل أيام عدة، وفي أثناء متابعتي لحوار بث على شاشة التلفاز مع قائد (كبير) وهو واحد ممن تبوءوا عدة مناصب حكومية مهمة في أعقاب الإحتلال الأمريكي للعراق،وضمن سياق الحوار وتحت ضغط مهذب من لدن مقدم البرنامج ذكر هذا القائد بأنه يستلم من الحكومة منحة مالية مقدارها مليون دولار أمريكي مثله مثل مجموعة من زملائه القادة الذين يشاركهم في حكم العراقيين. وتعد هذه المبالغ بمثابة ميزانية خاصة (تحت عنوان منافع إجتماعية) توضع تحت تصرف كل منهم ليتم صرفها على وفق ما يشاء ويحب كل منهم . كما إدعى متلعثماً بأنه يوزع هذه الأموال على عوائل الشهداء وضحايا العمليات الإرهابية ،ولمعالجة المرضى، وعلى آلاف المصابين بأمراض مستعصية ،وفي دعم العوائل التي تحتاج الى مبالغ بحدود مليون دينارلكل عائلة وغير ذلك من دون أية رقابة أو متابعة لمعرفة الطرق التي سيتم الصرف على وفقها !!! . وهذه المنحة هي ليست الوحيدة التي يتم صرفها لهؤلاء القادة والحاكمين، فهم يستلمون مبالغ ضخمة أخرى وتحت مسميات وأبواب صرف مختلفة ومتنوعة، ناهيك عما يستلمونه من رواتب ثابتة ومكافئات ومُنح أخرى بمناسبة أو بدون مناسبة.
نحن هنا لانتحدث عن السرقات الكبرى التي نخرت الإقتصاد العراقي ودفعته الى الهاوية،فهذا موضوع آخر يستلزم إستعداداً لبكائية خاصة به يصاحبها لطم الخدود وشق الجيوب وفعاليات أخرى مماثلة تتناسب وحجم المأساة التي يعيشها العراقيون. بل سيقتصر حديثنا على موضوع المليون دولار التي تُمنح شهرياً لكل فرد من( النخبة الحاكمة ) في هذا البلد سواء أكان الفرد مدنياً أو عسكرياً (وما أكثرهم) ،والتي تُعد بمثابة مكافئة لما قام به كل منهم من إنجازات وأعمال رائعة أذهلت سكان المعمورة برمتها !! ،فهم نجحوا في حقن دماء العراقيين قاطبة من عرب (سنة وشيعة) وأكراد وتركمان وآيزيديين ومسيحيين ومندائيين وشبك وآثوريين وغيرهم من المكونات...... ، ولدورهم المتميز في إنعاش الإقتصاد وإعادة البنى التحية الى أروع مما كانت عليه بعد أن أصابها الدمار الشامل ،وغير ذلك من إنجازات جعلت المواطن العراقي يشعر بسعادة تحسده عليها كل شعوب المعمورة الفقيرة منها والغنية . ولكوني مولعاً بمواضيع الحساب والرياضيات عموماً،فلا بد لي من أن أوضح للقراء الكرام بأن منحة المليون دولار تقابل مايقرب من ( 1200.000.000) ديناراً شهرياً ، أي (14400،000،000) ديناراً في السنة الواحدة. وهذا يمثل المكافئة الشهرية لواحد من الحاكمين ( نجهل عددهم ) و الذي أسموه (منافع إجتماعية). وعلى القاريء أن يخمن مقدار المبالغ لمجموعة القادة المستفيدين من هذه ( المكرمات ) إن هوعلم بعدد هؤلاء، وأعتقد جازماً أن قراءة الناتج الحسابي سيكون صعباً وعسيراً حتى على الكثير من القراء الكرام. لا بل وسيعلن الكثير منهم فشله من متابعة الحساب وسيعبرون عن ذلك بالشتائم والسباب وندب حظهم العاثرالذي ورطهم بمثل هكذا سراق بالجملة وجعلهم تحت رحمة من لايرحم من (المؤمنين غير المؤتمنين) .
على سبيل الفرض لو تسنى لكل من هؤلاء المستفيدين توزيع مبالغ (المكرمة) على وفق محبة الله كمنافع إجتماعية كما ورد على لسان هذا ( المؤتمن ) وأنا أشك في مصداقية ما أورده ،ترى كم سيكون عدد المواطنين الذين سيستفيدون منها من أيتام وأرامل وعوائل شهداء ونازحين وعاطلين أو معطلين عن العمل ،و متضررين جراء طوفان الأمطار ،أو من أصحاب الدور المهدمة بسبب الأعمال العسكرية وأعمال العنف والتي سببتها الفتنة الطائفية جراء سياسة المحاصصة المقيتة التي تبناها هؤلاء أنفسهم وفرضوها على الشعب العراقي فرضاً .ولزيادة التوضيح سأعود الى موضوع الحساب لأفترض أننا سنوزع مبلغ (المكرمة) التي يحصل عليها كل واحد منهم على المعوزين وبمعدل (500) ألف دينار شهرياً لكل عائلة أي دينار (6) ملايين سنوياً ، وبقسمة (1200،000،000) على (500،000) سيكون حاصل القسمة (2400) عائلة فقيرة مستفيدة يمكنها العيش بكرامة ،وهذا يعني أن الأموال الممنوحة لواحد فقط ممن أؤتمنوا كي ينفقونها على المنافع الإجتماعية وعليكم حساب عدد العوائل التي ستستفيد إذا ما تم توزيعه فعلاً من قبل (المؤتمنين ) الآخرين .فهل ياترى طرق سمع أحدكم بأن أحد منهم تصدق على فقير أو محتاج أو تفقد عائلة محتاجة الى مساعدة أو أسعف شاباً معدماً يروم الزواج وما شابه ذلك ؟؟؟؟؟.
يبدو أن حكامنا وقادتنا الأشاوس وبجميع ألوانهم وأطيافهم متحابين متكاتفين في السراء والضراء ،يعملون على وفق مبدأ (مركتنه عله زياكنه وطز بالشعب)، وأن قائدهم الأكبر يمنح لإصحابه الأموال على طريقة الأمراء السلف ، فالأمير عندما يريد منح مالاً للمادحين المتملقين فه يعمد الى التصفيق مثنى أو ثلاث لإستدعاء الحاجب ليأمره بمنح العطاء بجملة ( ياغلام إعطه عشرة آلاف درهم أخرى ) مثلاً ،وما على الحاجب الى الإستجابة على الفور. وهكذا يمنح الأمير ما لا يملك لمن لا يستحق وطز بالرعية.
ومضة:- يقول أحد الحكماء العراقيين المعاصرين الذين شبعوا ونسوا الجوع ومعاناة الجياع ( يكفي مئة ألف دينار شهرياً لكل عائلة عراقية لتنفق ثلاثين ألف منها في الأيام البيضه العاديه ،وتدخر السبعين ألف الباقيه للأيام السوده) ، وهو صادق فيما نطق وقل أعوذ برب الفلق ،من شر ماخلق........