المنبرالحر

افيال الهند وبهاراتها / جاسم الحلفي

لست بصدد التطرق الى زيارة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى الهند، والنتائج التي تمخضت عنها، ومنظومة العلاقات الخارجية للعراق، وأداء مؤسساتها، والسياسية الدولية للعراق، وانعكساتها على السياسة الداخلية وبالعكس. ولست بصدد بحث توقيت الزيارة، سيما والعراق يشهد موجة تفجيرات مأساوية يروح ضحيتها كل يوم عشرات المواطنين بين شهيد وجريح. ان ما اثار استغرابي هو السخرية الواسعة التي انطلقت من نظرة استعلائية، كشفت في طياتها الفكر العنصري اللانساني الذي يعتمر في اذهان البعض. اذ شهدنا خلال الايام الماضية كتابات كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في بعض الصحف التي نشرت كاركاتيراً يشير الى فيل وبهارات، عكست استخفافاً واضحاً بامكانيات الهند وما يمكن ان تفيد به العراق على اساس تبادل المصالح وترسيخ الصداقة بين البلدين.
لا يتسع المجال هنا للتطرق الى امكانيات الهند، ونبوغ ابنائها وبناتها في شتى مجالات العلم والادب، رغم الفقر المعروف فيها، وعدد نفوسها الكبير. وقد بزت دولاً متقدمة في ملاحقتها للعمل والتطور، ولم تتخلف عن ركب الحضارة، وهي تفتخر بحصول عدد من ابنائها على جوائز نوبل للسلام. وهناك انشغالها بعلوم الفضاء، وبناء الاقمار الصناعية، الى جانب انتشار علمائها ومفكريها وعمالها وخدماتهم الجليلة في مختلف بدان العالم. علماً ان الفقر والحاجة التي تدفع الهنود الى العمل في الخارج، لا تتم على حساب كرامتهم. ونتذكر كيف رفضت حكومة الهند ارسال عدد من ابنائها النابغين في البرمجيات الذين احتاجتهم المانيا، ولم تستجب لطلب إرسالهم ، الا بعد اخذ التعهدات، بالتعامل معهم بكل احترام ففقر الهند لا يعني السماح باهدار الكرامة الوطنية والشخصية لابنائها.
يكفي ان الهند انجبت المهاتما غاندي العظيم الذي اسس لثقافة الكفاح اللاعنفي، وجعلها من اشد وسائل الشعوب والمكافحين من اجل الحريات العامة والخاصة، قوة وفاعلية وتحضراً.
ولعل اهم درس مجاني يمكن الاستفادة منه هو النظام السياسي في الهند، الذي ارسى الاستقرار في هذه البلاد، ورسخ قيم التعايش المشترك بين مواطنيها. حيث تم بناء النظام على اساس المواطنة، رغم التنوع الاثني والديني الكبير في الهند. فلا ينظر الى المواطن ولا يتم التعامل معه وفق خلفيته الاثنية والدينية والطائفية والمناطقية والقبلية. ولا تشهد الهند تمييزا عرقياً أو دينياً، وقد انتخبت قبل عام تقريبا ابو بكر زين العابدين عبد الكلام، عالم الصواريخ المسلم رئيسا لها، ليصبح ثالث رئيس مسلم. وهذا دليل يؤكد نجاحها في بناء دولة المواطنة، فلا محاصصة ولا استحقاقات اثنية وطائفية في تقلد الوظائف العامة للدولة، بغض النظر عن مستوياتها، انما على وفق المعايير الديمقراطية والكفاءة والخبرة. وهذا اهم درس يحتاجه العراق، وكان يجب كتابته بحروف من ذهب. حيث كلف الصراع الطائفي في بلادنا ولا يزال خسائر بشرية ومادية هائلة، ما كان لها ان تذهب سدى، لولا بناء النظام السياسي على وفق المحاصصة الطائفية والاثنية، ما تسبب في خلق ازمة نظام الحكم، التي انعكست على جميع مفاصل النظام السياسي، وهددت وتهدد الاستقرار والسلم الاجتماعيين، واعاقت البناء والتنمية ولم توفر الشعور بالامان، بل زرعت المخاوف في قلوب كل العراقيين.
وعودة الى الاستخفاف بـ"بهارات" الهند، فقد نجحت الهند في جعلها احد موارد ميزانياتها من العملة الصعبة. ويكفيها فخرا انها اوصلت مادة عشبية كـ "البهارات" الى جميع مطابخ العالم. ولنا ان نتصور اقتصادياتها لو انها امتلكت النفط؟!