المنبرالحر

تعزيز الموقف ..! / لينا النهر

خلف الحروب والارهاب الداعشي، الذي يشغل العالم بأجمعه اليوم، وتسلط عليه الاضواء بكثافة وبعدة طرق، تنمو موجة الفاشية في العالم، وخصوصا في دول أوربا مثل السونامي في البحر، حين يضرب، يغرق كل البشر ويقتل الحياة ويدمر الوجود، ودون حواجز تصده.
الاحزاب الفاشية تكبر يوماً بعد يوم وتحصل على مقاعد كبيرة في البرلمانات والأماكن القيادية في الدول المتقدمة. من أمريكا وترامپ الى النمسا والى السويد الاشتراكية. الأسباب متعددة لهذه الموجة ومرتبطة بشكل أساسي في تاريخ الحركة النازية في الأربعينات، و اليوم يشكل ارهاب داعش سلاحاً قوياً تستغله الفاشية.
ولكن النازيين وغيرهم يتحدثون ليس عن الاٍرهاب الديني وانما على الاسلام كدين، انه في الأساس عن الاسلام، لان ما نراه اليوم من طرق في سياسة الفاشيين تؤكدا ان ليس لهم من هدف سياسي غير القتل وتدمير كل شئ حولهم يكون في خلاف معهم، والحقيقة ان الفاشية لها خلاف مع جميع البشر بغض النظر عن الاختلاف.
الدول الاوربية ومواطنوها من أصول أوربية او مستوطنوها منذ زمن طويل يعرفون الفاشية عن قرب ويفهمون هذا. لذا نراهم حذرين جدا في الكلام عنهم وعن الاشياء الاخرى. وهذا الحذر نابع من احترام الانسان وان اختلفت الأراء او الاعتقاد او لون البشرة والجنس. فنرى ان حركة مناهضة الفاشية تتحدث عن الاٍرهاب دون الحديث عن الاسلام. كما مفترض ان يكون، فالاسلام كدين كما غيره من الأديان فيه سلبيات وما في الطبيعة البشرية في المجتمع من عقائد مختلفة وبطرق مختلفة . انا من المناصرين الذين يتكلمون عن فصل الدين عن السياسة ، في كل البلدان للحفاظ على العالم المدني وعلى الدين نفسه بطريقة جيدة ومناسبة للعصر.
انا اعرف جيدا كما كل الناس ان سياسة الدين التعسفية الرجعية هي احدى العوامل الرئيسية في مصائبنا، ولكني اعرف ايضا ان هذا ليس هو الدين الذي عشته في الصغر وتابعت جدتي وجدي وكل من حولي في كربلاء . فهناك في ذلك الوقت كان الدين طيبة ، ومحبة وتسامح . صلى من صلى وصام من صام ونسي الصلاة من نسى مع ابتسامة ووعد ان لا تنسى اليوم التالي . كنّا جميعنا نفطر على الاكل اللذيذ سوية حتى الذين ليس لهم علاقة بالصيام ونذكر الجيران فيما أحببنا لأنفسنا واولهم الفقير منهم قبل ان يدخل أفواهنا. أحب العيد وفرحته. وأحب الأعياد الاخرى للاديان الاخرى. أحب احترام جيراننا الصابئة في مدينة الصويرة الذي نشأنا فيها. وأحب أصدقاءنا الآخرين في كل الاديان وارى اننا عراقيون ونتصرف بنفس الطبيعة ونتعارف ونتصرف كعراقيين قبل ان نعرف أي دين لكل منا او نوع الاعتقاد. اعتقد ان هذا الإحساس ليس خاص بي وانما عند الأغلبية من الناس.
اذاً فان الدين شي والارهاب شي اخر، الاسلام غير داعش، واليهود غير الصهاينه والمسيحية غير الحروب الصليبية وان أحب البعض منا التكلم في التاريخ فمن الواجب ايضا التكلم من جهة التاريخ بالنسبة للسياسة، ومنها الفاشية وهنا يكون تحليل الأمور واقعيا وليس مرتبطا بعواطف الكره لعدم واقعيتها.
هذا ما يجهله البعض حين يتكلمون عن الاسلام بصورة سيئه في دول أوربا . بسبب عواطف لما يصيب الأقليات او البلد بصورة عامة او لأسباب شخصية عانت من الاسلام السياسي بصورة خاصة كما في ايران مثلاً. وكرههم هذا وجهلهم حقيقة الفاشية في المجتمع تشكل خطرا كبيرا على حياة المجتمع هنا. فلا يفرقون بين الدين والسياسة. ويهاجمون المرأة المحجبة قبل ان يهاجمها الفاشي معتقدين ان نزع الحجاب هو الديمقراطية.
وان كان هذا صحيحا لماذا كانت هناك فاشية ضد الديمقراطية في دول أوربا التي لا يلبس فيها الحجاب؟ ولماذا ؟ ولماذا مازالت أوربا تكافح من اجل حقوق المرأة وهي لا تلبس الحجاب؟ ولماذا يتقبل هؤلاء أنفسهم حجاب الراهبات وليس حجاب الأخريات من المسلمات؟ وهل يعرف هؤلاء ان غطاء الرأس هو مطلوب في اكبر الأديان السماوية وأغلبها؟ ومنها المسيحية واليهودية؟! فلا تدخل امرأة الكنائس دون غطاء الرأس. ومازالت العوائل الملكية تغطي الرؤس الى وقتنا هذا عند دخول الكنائس. وتباع أوشحة الرأس في خارج الفاتيكان والكنائس الاخرى ويطلبون من الزائرات تغطية الرأس وتغطية حتى أسفل الركبة؟ هذه الأسئلة مجرد لفت نظر على ان الدين هو نفسه. والحريّة في اتخاذ هذا ام لا لها علاقة بالديمقراطية والدولة المدنية وليس بالدين نفسه.
ولهذا من المفترض ان تحلل هذه الاشياء سياسيا.نكره الحجاب ونحب الشيلة (غطاء للرأس في المناطق الشعبية ) كيف هذا وما الفرق ؟ الفرق هو ما وراء الحجاب والشيلة، لان غطاء الراس نفسه لا خطر فيه. وانما اجبار المراة على ذلك هو الذي يشكل الخطورة على المجتمع، ومن قبل قوى في المجتمع والعالم الذكوري الرجعي الذي تعيش في وسطه!! هناك ايضا اللواتي اتخذن من الحجاب وسيلة في السياسة كما يحصل في عراق اليوم او حتى داعشيات الاٍرهاب . هؤلاء النساء لسن سوى قسم من المجتمع الذكوري المتخلف ( ولأجل أن أوضح لمن لا يعرف ما هو المقصود بالمجتمع الذكوري هو ان ليس له علاقة بالذكور فقط وانما سلطة الذكور على النساء على مدى التاريخ ، وعلاقة هذه السلطة في المجتمع) لذا نرى ان هناك نساء رجعيات يساندن هذا النوع من السلطة .
نرى بعض من هو فاشي او عنصري مبطن يرحب بالاشخاص الذين يعادون الاسلام والحجاب، على انها عادات متخلفه تركوها وراءهم وهم يهاجمون كل الناس المرتبطين بهذا بمستويات مختلفه ، ونرى العنصري دائما يتعاطف مع هؤلاء مؤكدين لهم ( مثلك من نود هنا في بلادنا، انت متحضر ، انت لست مثل البقية المتخلفة ) مع ابتسامة زائفة ترفع من شأن هذا الشخص الجاهل للتاريخ والقضية والاسباب الكامنة خلف هذه الابتسامة. وهو لا يعلم هذا الشخص المتبرئ من مجتمعه ان وضع سلاح مدمر في يد هذا الفاشي الذي سوف يستخدمه ضده في اول فرصة ممكنة ليتخلص منه!
الفاشية لا تهتم لذلك ولون بشرتك يكفي لقتلك، اسمك يكفي لقتلك، دينك يكفي لقتلك، جنسك يكفي لقتلك، اعتقادك السياسي يكفي لقتلك، وقاتلك لن يسألك عن رأيك في دينك. الفاشية عدوة الجميع. في أربعينيات القرن الماضي لم يكن هناك ارهاب داعشي ولا حجاب ولا نقاب ولا لجوء عرب ، فلماذا قتل الملايين على يد الفاشية!!؟
لا يمكننا أن ننكر الاٍرهاب السياسي الاسلامي وتشعبه . ولكن علينا استخدام هذه الكلمات فهي مهمة جدا لنتائج مستقبل قريب نعيشه نحن واطفالنا. وله علاقة اكبر في السياسة الدولية وتأثيرها على بلادنا وأهالينا والمجتمع هناك كما في طريقة دحر هذا العادات الرجعية هنا والتخلص كلياً منها في كل مكان . لنتكلم عن ارهاب الدين السياسي وليس عن الاسلام او غيره كدين . لنتكلم عن المرأة ومعاناتها سياسيا واقتصاديا ومساواتها كنصف المجتمع . هذا ما يحرر المرأة من عبودية المجتمع . فأن كان في يدها حريتها في الزواج والطلاق ، في المساواة في الارث، وفي حرية بناء مستقبلها والمساواة امام القانون لما كان حال المرأة كما هو عليه اليوم في مجتمعنا ولكان الدين شيئا شخصيا يختاره من يريد ويكون محله في دور العبادة كما هو الحال في هذه الدولة المتقدمة التي تجعل من ينكر اصله ويعتقد ان قيمته بالتبرؤ من قسم من مجتمعه هو التحضر المدني ويكون حطبا لنار الفاشية .
الحذر واجبنا جميعاً. والحل ايضاً واجبنا جميعاً. الكراهية هي سبب الحروب وما يصيب العراق او البلدان الاخرى هي بذور كراهية وحقد زرعت قبل سنين طويلة يحصد الشعب ثمارها المرة اليوم. ارهاب الدين السياسي في العراق زرعه الطاغية صدام وقمعه وتزويره الدين الحقيقي هو الذي فسح المجال لتجار الدين التحكم بالشعب العراقي اليوم . حكم صدام كان مجرد عينة صغيرة من الفاشية في العراق، فما بالك ان تكون سببا في نشر الفاشية مرة اخرى وعلى نطاق كبير يقتل كل شي جميل يختلف عن رأيهم ، لونهم، جنسهم او اعتقادهم الديني او السياسي ؟ كونوا على شدة الحذر في طريقة انتقادكم . والحل هو في طريقة النقد والاسلوب .