المنبرالحر

بدائل الحرب.. الضائعة / عبد المنعم الاعسم

مشكلة الحكام الاستبداديين انهم لا يتعظون من النهايات المذلّة لسابقيهم، ولا تهمهم الكلفة التي يدفعها الشعب عن عنادهم، والغريب انهم جميعا يتعاملون مع الحرب باعتبارها نزهة، او تمرين على رسوخ الحكم الذي شيدوه بالضلال، والاغرب انهم لا يسعون الى بدائل عن الحرب ويضيعوا الفرص السانحة لنزع فتيلها، ويفضلون، الى ذلك، ان يسقطوا بيد قوى اجنبية غاشمة بدل ان ينحنوا الى شعبهم ويتصالحوا معه. ومن زاوية يبدو للمحلل ان الامر ينطوي على شيء من الجنون، حين يخرج المستبدون الى حرب انتحارية غير متكافئة، ثم سرعان ما يستسلمون الى عدو?م الخارجي الذي يعاملهم بما يستحقون، وباللغة التي يفهمونها، هذا في السايكولوجيا ايضا:
يصعد مجنون هارب من المستشفى منارة بقصد الانتحار، وحار جمهرة الناس في اقناعه بالعدول عن ذلك، الى أن جاءهم طبيب المستشفى بمجنون آخر، وطلب اليه إقناع زميله بالنزول، فصاح به قائلا «إذا لم تنزل فسأقص المنارة بالمنشار» وهكذا نزل المجنون من اعلى المنارة طائعا. الم يحدث هذا السيناريو مع صدام حسين والقذافي؟ ولماذا يدفع الحاكم السوري بلاده الى تهلكة او الى مواجهة كارثية تنتهي في الغالب مثلما انتهت اليه حروب العراق وليبيا، إن لم تكن الى اسوأ.
ربما، قبيل ان تلتقي هذه السطور عيون القراء تكون صواريخ كروز المنطلقة من المدمرة الامريكية «ماهان» قد دكت اهدافها السبعين في دمشق، وفتحت الطريق للجيش السوري الحر ليجتاح قصر قاسيون وتحصينات الجيش الحكومي ووسط العاصمة، ولتأخذ تعليمات الوزير تشاك هاغل طريقها الى تكوين الزون الآمن فوق الفضاء السوري، فيما تتولى قاذفات «انجيرلك» التركية وحواماتها ادارة السياسة لجهة تدعيم المعارضة وبناء السلطة الجديدة، او جزء من السلطة على جزء من الارض.
هذه قراءة استباقية، في الزمان والمكان، لحرب جنونية قيد التحضير وقد تشتعل في اي وقت، من دون ان يتسنى للعقل ان يجيب عن السؤال التفصيلي: لماذا شغف الامريكان، الجمهوريون (بوش) والديمقراطيون (اوباما) بلعبة تدمير عواصم المنطقة فوق رؤوس اهلها وحكامها، ولم يجربوا هذا السيناريو في غير الشرق الاوسط؟ بل ولماذا تُغرم انظمة الاستبداد العربية بالحل الامريكي لمشكلة الاصلاح والعدالة وترشيد الحكم؟ ولماذا يشعرون بالسعادة الطاغية حين يقترب موعد نهاية اللعبة على يد الامريكان، وليس على يد غيرهم ؟ ولماذا يبدون سعداء في لحظات ال?قوط؟. كان هتلر قد عرف في 20 نيسان 1945 ان الجيش الروسي دخل الرايخشتاغ فخرج من المخبأ الكونكريتي المسلح نحو الحديقة كي يحتفل بعيد ميلاده السادس والخمسين متسائلا: اين الالمان؟ ثم همس لنفسه: انهم لن يشاركوك الاحتفال، فقد خذلتهم.
على ان القراءة الاستباقية المطلوبة، الاكثر اهمية، تتعلق بمصائر سوريا ما بعد الضربة، حيث نقع تحت ضغط التمنيات الشعورية الباردة بانفراج الازمة، لكن فلسفة «كانت» المجربة حذرتنا بان ما نشعر به شيء والحقيقة شيء آخر.
*****
«لا تُعَاجِل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا».
الحسن بن علي بن ابي طالب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بالتزامن مع جريدة (الاتحاد) الغراء