المنبرالحر

الحرب وأسعار النفط / محمد شريف أبو ميسم

حالة الترقب التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط والعالم بشأن توجيه ضربة عسكرية لسوريا ، ساهمت وتساهم في تذبذب أسعار النفط في السوق العالمية.. فبعد ارتفاعات سعرية جراء تصاعد اللهجة الاعلامية الأمريكية البريطانية الفرنسية ، وتزايد المخاوف من تعطل امدادات الخام من الشرق الاوسط ، انخفضت الأسعار بشكل كبير الخميس الماضي بعد ان رفض البرلمان البريطاني إقتراحا من الحكومة يدعم عملا عسكريا ضد سوريا، وبعد أن أعلن رئيس الوزراء الفرنسي التريث لحين اعلان نتائج التحقيقات بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا .. الا ان الأمر لم يحسم وظل معلقا على قرار ما زال يصنع داخل أروقة البيت الأبيض الأمريكي، ويسوّق له حلفاء أمريكا النفطيون في المنطقة ،الذين تعهدوا في أكثر من مناسبة (هددت فيها ايران بغلق مضيق هرمز على اثر فرض عقوبات اقتصادية عليها) انهم سيغطون الطلب العالمي على النفط عوضا عن النفط الايراني .. بيد أن هذه التطمينات لا يبدو انها ستحد من ارتفاع الاسعار على الرغم من كثرة التصريحات لخبراء النفط من داخل المؤسسات النفطية الأمريكية والتي بشرت باحتمال انخفاض الأسعار جراء وفرة الامدادات وهذا ما أكدته وكالة الطاقة الدولية يوم الخميس الماضي بالقول «ان اسواق النفط تتلقى حاليا امدادات كافية ولا يوجد مبرر لأن تتخذ الوكالة اجراء على الرغم من صعود قوي للاسعار مؤخرا».
ويعطينا موجز المشهد النفطي العالمي أعلاه فكرة عما سيسببه الطلب على النفط من دور ضاغط على قرار الحرب .. اذ ان قرار الحرب سيعني ارتفاع الأسعار وربما انخفاض الامدادات الى النصف اذا ما دخلت ايران طرفا مباشرا في هذه الحرب على اعتبار ان غلق مضيق هرمز وتبعات تداعيات الحرب على الموانئ والحقول النفطية في المنطقة ستكون مباشرة وبالتالي فان نشوب هذه الحرب التي يريدها الرئيس الأمريكي أوباما محدودة ولفترة قصيرة ولا يراد بها اسقاط النظام السوري، بحسب ما أعلن، ربما ستجر الى أبعد مما يريده أوباما وسترغم أطرافاً أخرى على الانخراط بها ، ما يرجح انفراط عقد اللعبة من يد الادارة الأمريكية وبالتالي عدم قدرة من أشعل الفتيل على اخماد الحريق ، وهنا سيكون بلدنا من أكثر المتضررين من هذا السيناريو لأسباب جيوسياسية وعسكرية واقتصادية، اذ ما زلنا نعاني من توظيف الطائفية الدينية في التصارع السياسي ما يرجح أن يتصاعد هذا الأمر من قبل المعارضين للعملية السياسية ، لتحقيق هدفهم المدعوم منذ 2003 من دول اقليمية بهدف اسقاط العملية السياسية في العراق ، وسيتعرض بلدنا لما سيصيب المنطقة من انفلات بسهولة جراء ضعف الأجهزة الأمنية والدفاعية وتزايد الخلافات بين القوى السياسية وانفتاح الحدود الطويلة مع جميع دول الجوار الذين سيكونون أطرافا كل حسب امكانياته في هذه المعركة ، وسيكون بلدنا ممرا للمسلحين وربما ملجأ للبعض منهم وللمدنيين الهاربين من أتون الحرب، ولنا أن نتخيل ما سيترتب على ذلك بجانب توقف امدادات النفط عبر جميع المنافذ ( فالانبوب المار الى جيهان التركي يتعرض ونحن في هذه الظروف اسبوعيا ان لم يكن يوميا الى اعتداءات ارهابية ، فكيف له في مثل هكذا سيناريو ، والصهاريج باتجاه الأردن على عدم جدواها الاقتصادية ستتوقف ، فيما يبقى الأمل على موانئ البصرة التي سيتوقف أمرها على ما سيشهده مضيق هرمز ) وهذا السيناريو وان كان ظاهره التفوق العسكري لأمريكا وحلفائها الا انه سيخدم في النهاية مشروع التمدد الايراني في المنطقة .
فيما سيكون السيناريو الآخر الذي سيخدم اسرائيل تحديدا وسيعطي مزيدا من الوقت لتدمير سوريا وتمزيق شعبها أكثر وأكثر في المنظور البعيد، هو استمرار الحصار العسكري مع بقاء الاسطول السادس الأمريكي مرابطا بالقرب من المياه الإقليمية السورية المحاصرة اقتصاديا منذ أكثر من سنتين ورفع مستوى الدعم للقوى المسلحة واعطاء مزيد من الوقت لأمريكا وحلفائها بهدف دراسة تبعات الحرب والتفاوض مع الأطراف الرافضة لها ووضع الآليات المناسبة للسيطرة عليها ، بجانب اعداد العدة عسكريا وسياسيا للتعاطي مع مرحلة ما بعد اسقاط النظام السوري وكيفية التعامل مع القوى التي سترثه والقوى المسلحة الراديكالية والمدعومة من بعض حلفاء أمريكا .. وفي هذا الوقت ستتعرض أسعار النفط لمزيد من الارتفاعات، بما سيصب في صالح الدول النفطية في المنطقة والتي يبدو انها تعهدت بدفع فاتورة الحرب .