المنبرالحر

التهديدات الإيرانية للإقليم وظاهرة التدخل في الشأن الداخلي / مصطفى محمد غريب

عندما قامت الثورة الإيرانية ونجحت في إسقاط نظام الشاه الرجعي استبشرت خيراً أكثرية القوى التقدمية وشعوب العالم الكارهة للاستعمار والأنظمة الرجعية ومن بينها أكثرية الشعب العراقي لأنها تعرف بالفطرة مدى عدوانية نظام الشاه الذي كان تابعاً للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تملك العديد من القواعد العسكرية المنتشرة على الأراضي الإيرانية وبمهماتها العسكرية والسياسية ..
المهمة الأولى: العسكرية تتمثل التصدي للاتحاد السوفيتي عند حدوث حرب عالمية ثالثة وفي التهديد المستمر لشعوب المنطقة، والحفاظ على نظام الشاه الذي من السخرية تخلت عنه الولايات المتحدة الأمريكية في صفقة غريبة ومشبوهة، بعدما طلبت من الشاه أن يترك إيران وأمرت الجيش الإيراني بعدم قيامه بالانقلاب على غرار ما حدث في زمن الدكتور مصدق.
والمهمة الثانية: السياسية دور النظام الإيراني السياسي وتهديده للمنطقة واعتباره شرطي الخليج واحتلال الجزر العربية الإماراتية ثم اتفاقية الجزائر مع النظام الدكتاتوري في العراق لضرب الحركة التحررية الكردية واقتطاع نصف شط العرب والبعض من الأراضي العراقية.
ليس هذا فحسب فقد كان نظام الشاه محمد رضا بهلوي يقوم بمهمات غير قليلة منها اضطهاد الشعوب الإيرانية المظلومة وقمع الحريات ومحاربة القوى التقدمية وعدم الاعتراف بحقوق القوميات حتى بات ألد أعداء الشعوب والقوميات الإيرانية وشعوب المنطقة، ومن منطلق حق الشعب الإيراني في الحرية والانعتاق والتخلص من الدكتاتورية والتبعية فقد استبشرنا خيراً بالثورة الإيرانية الشعبية التي شاركت فيها أكثرية شعوب إيران بأحزابها التقدمية والديمقراطية والاشتراكية مثلما أسلفنا لا بل حتى وقفنا متضامنين معها، إلا أن " الرياح تجري بما لا تشتهي السفن " فقد شن النظام الدكتاتوري في العراق الحرب على إيران الجديدة في 22 / أيلول / 1980 ، وبدلاً من مساندة القوى الوطنية والديمقراطية والشعوب الإيرانية فقد استغلت هذه الحرب بحجة الدفاع عن الوطن من الاعتداء الخارجي فوجه قادة النظام الجدد بما فيهم السيد الخميني جام حقدهم وغضبهم بالضد من القوى التقدمية الإيرانية وفي مقدمتهم حزب الشعب " تودة" ومحاربتها بكل الوسائل بما فيها الإعدامات والاغتيالات والاعتقالات، وتوجيه الدبابات ضد الشعب الكردي في إيران، وقد كانت أول النتائج حسب إحصائيات نشرت حينها بقتل أكثر من ( 52 ) ألف كردي أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ، وبهذا تسنى للنظام الإيراني الجديد الهيمنة المطلقة على جميع مفاصل البلاد وإدارة الحرب الطاحنة وزج مئات الالاف من الشباب في أتونها مما زاد من الضحايا التي قدرت بمئات الالاف ما بين قتيل وجريح ومعوق وأسير والسبب تعنته على استمرار الحرب لتثبيت سلطة الملالي بدون منازع، ومنذ ذلك الحين أتضح للجميع على الرغم من بعض المواقف التي كان هدفها تحيق مصالح النظام الإيراني وليس مساندة شعوب المنطقة أو تحقيق حقوق القوميات في إيران، وبدلاً من التضامن الحقيقي لمناصرة الشعوب من اجل حريتها رفعت القيادة الإيرانية في عهد الخميني أو فيما بعده شعار " تصدير الثورة الإسلامية على غرار الثورة الإيرانية " وتنفيذ سياسة التدخل في شؤون دول المنطقة وزيادة الاحتقان الطائفي وخلق المحاور السياسية والعسكرية وتغذية الفتن في المنطقة وهناك شواهد عديدة لسنا بصدد ذكرها فهي معروفة، فسياسة الاستحواذ والعداء ضد الكرد في إيران وضد مصالح الكرد في الدول الأخرى تباينت حسب المصالح المرسومة من قبل القيادة الإيرانية، وأدت هذه السياسة إلى اعتداءات مسلحة على كردستان العراق بحجج غير معقولة في مقدمتها محاربة المعارضة الإيرانية الكردية، ولم تقتصر هذه الاعتداءات على الكرد داخلياً فحسب فهناك حجج عديدة استعملت ضد عرب الأهواز والشعب البلوشي وغيرهم من القوميات غير الفارسية، وشواهد الاعتداءات المسلحة على إقليم كردستان العراق معروفة وشهدت نتائج وأضرار بالأرواح والممتلكات أمام صمت الحكومة العراقية والبعض من أطرافها المتحالفين والمتضامنين أو الذين يحملون الجنسية الإيرانية في السر!، هذا الصمت الذي أدين من قبل أكثرية الشعب العراقي وأصبح محل استغراب وتساؤل عن موقف هؤلاء وتضامنهم مع الاعتداءات الإيرانية وفي الوقت نفس غضبهم ورفض تدخل تركيا لأسباب طائفية وليست وطنية، إضافة إلى هلاميات الاتهامات ضد دول أخرى اختلفت مع الحكومة الإيرانية بسبب تدخلاتها في شؤون الدول، وكنا نتمنى أن يقف هؤلاء موقفاً واضحاً من التدخل الإيراني وتهديداته المبطنة وان يتساءلوا للوصول إلى الحقيقة عن السبب الرئيسي لظاهرة الهدنة بين الإرهاب " القاعدة سابقاً وداعش الإرهاب حالياً" الذي شمل أكثرية دول المنطقة ما عدا إيران، لكن كما هي النعامة التي تضع رأسها في الرمل فهو صمت القبور، ومع استمرار التدخل في الشؤون الداخلية للعراق الذي أصبح متاحاً لكل من هب ودب بشكل عام، إضافة لسلسلة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة اخذ هذا التدخل يأخذ منحى آخر في تهديد الإقليم بالويل والثبور، وبدء مسلسل خلق أجواء الحرب على الحدود مع كردستان العراق حيث نفذ في الكثير من الأحيان تصاعد القصف المدفعي وتعزيزات عسكرية التي تصاعدت في الفترة الأخيرة بعد هدوء زمني قصير والحجة الجديدة هي القديمة نفسها " توغل المقاتلين الكرد داخل الحدود الإيرانية والاشتباكات مع قوات الحرس الثوري الإيراني" فالقرى الكردية الحدودية ومنها داخل العراق تقصف يومياً مما نتج عن العديد من الضحايا وهدم بيوت الفلاحين وتخريب مزارعهم لكن الأمر تطور أكثر حتى أن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي هدد بشكل علني دون أي اعتبارات دبلوماسية أو حسن جوار أو احترام العلاقات في مناسبة " يوم القدس " الذي يجري الاحتفال به كل جمعة من آخر أيام شهر رمضان حيث قال " نحذر الأنظمة العميلة في المنطقة والمسؤولين السياسيين في شمال العراق أن يفوا بالتزاماتهم، لأننا سندمر بشكل ماحق ودون أي اعتبار، أي نقطة تنطلق منها التهديدات ضد نظامنا" وهو يعني تخريب وتدمير الإقليم ليس على الحدود فحسب بل حتى المدن والمناطق في داخل الإقليم إضافة إلى التهديد بالحرب ضد دول المنطقة العميلة حسب اتهامه، مما أدى إلى شجب ورفض هذا التهديد من قبل حكومة الإقليم بإصدار بياناً أشار فيه "نحن نرفض بشدة هذه التهديدات التي لا تليق بالجنرال سلامي، ونرى أنها لا تتناسب والعلاقات الودية القديمة بين حكومة كردستان العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية" كما نقلت وسائل إعلامية في الإقليم ومن بينها موقع " كردستان 24 " بان نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء الإقليم وحين لقائه مع وفد إيراني رفيع المستوى أشار إلى استياء الإقليم من القصف المدفعي الذي يشن على القرى الحدودية داخل الإقليم، كل هذا والحكومة المركزية وبخاصة حلفاء إيران المعروفين يبدو أنهم راضين وسعداء، ولم تحرك ساكن لا في السابق ولا في الوقت الحالي ضد الاعتداءات الإيرانية ولا ضد التهديدات العدوانية بالضد من الإقليم والشعب الكردي بينما تقوم يومياً بالصراخ على اعتقال معين في البحرين أو أي بلد آخر من توجه طائفي ( وهذا لا يعني أننا مع أية اعتقالات لمنع حرية الرأي والمعارضة السلمية بالعكس فنحن بالضد منها لأنها ضد حقوق الإنسان) كما يجري في الوقت الذي مازال ضحايا انفجار الكرادة الإرهابي البالغ عددهم أكثر من ( 300 ) ضحية ما بين قتيل أو جريح وقسماً قيد الأنقاض نقول أمام هذه الفاجعة والجريمة الكبرى يجري قصف معسكر ليبرتي قرب مطار بغداد الذي يحتوي على لاجئين معارضين للنظام الإيراني لإرضاء النظام الإيراني وتنفيذاً للأوامر التي تطالب بقتل اللاجئين الإيرانيين المعارضين وإخراجهم، وقد أعلن الدكتور سنابرق زاهدي رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في تصريحات لوسائل الأعلام "إن عشرات اللاجئين في مخيم ليبرتي أصيبوا بجروح جراء القصف الصاروخي الذي استهدف المخيم مساء الاثنين في 5 / 7 / 2016 "
وأننا إذ نسوق ذلك كمثال على الموقف السلبي من قبل الحكومة من قضايا تهم الشأن الداخلي العراقي ومنها صيانة الأمن وسلامة المواطنين العراقيين الأبرياء والدفاع عن الأراضي العراقية من الاعتداءات الخارجية وفي مقدمتها إيران وتركيا التي مازلت تقصف طائراتها الإقليم بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني في تركيا.
وعلى ما يبدو وبسبب الغضب الداخلي والدولي ضد تهديدات الحرس الثوري الإيراني
التي جاءت على لسان نائب القائد العام للحرس الثوري العميد حسين سلامي فقد قدم الجانب الإيراني الاعتذار لحكومة الإقليم على لسان عبد الله أكرم مسؤول العلاقات بين الإقليم والحكومة الإيرانية يوم الاثنين 5 / 7 / 2016 حيث أشار " أن الطرف الإيراني قد اعتذر لحكومة إقليم كوردستان عن تهديدات العميد سلامي بشكل رسمي، مبيناً أن الجانب الإيراني أكد أيضا أن تهديدات حسين سلامي لا تعبر عن موقف الحكومة في طهران" وأشارت وسائل الإعلام أن الاعتذار جاء خلال اجتماع عقده عبد الله أكرم مع فلاح مصطفى مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة الإقليم ووجود " القنصلين الإيرانيين في اربيل والسليمانية " وإذا صح ذلك فهو دليل إدانة للتصريحات المنفلتة غير المتزنة من قبل المسؤولين الإيرانيين في الحكومة الإيرانية أو المؤسسات الأمنية من حرس ثوري وفيلق القدس وغيرهم.
أن تهديد الإقليم من قبل نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي حتى بعد الاعتذار المذكور يعني تهديد امن وسلامة ليس الشعب الكردي في الإقليم والشعب الكردي في إيران بل شعوب ودول المنطقة وهو بحد ذاته محل إدانة من قبل أكثرية الشعب العراقي ومحط استنكار وإدانة من دول وشعوب المنطقة والعالم ويجب أن لا يمر بالاعتذار الشكلي بل اعتذار راس النظام الإيراني والحكومة الإيرانية بالكف عن التهديدات العدائية والعمليات العسكرية ضد القرى الحدودية داخل الإقليم وكذلك يجب احترام العلاقات وعدم الانفراد بالقرارات التي تحاول الهيمنة على المنطقة والتدخل في شؤون العراق وهذه المواقف تخدم أيضاً المصالح الحيوية المتبادلة وفق قرارات الأمم المتحدة بعدم التدخل واحترام حقوق الشعوب في العيش بسلام وأمان وتحقيق حسن الجوار وفق القانون الدولي الموقع من جميع الأعضاء في الأمم المتحدة.