المنبرالحر

الدروس المستفادة من العمليات الارهابية "الداعشية " الاخيرة ؟ / رضي السماك

لئن كان الحكام المستبدون يلجأون إلى أشد وسائل الانتقام انحطاطاً وجنوناً لحظة تيقنهم النهائي بزوال الحكم من تحت أيديهم ولا يتورعون عن ممارسة هذه السياسة الجنونية قبيل انهيار أنظمتهم ضاربين بعرض الحائط كل المواثيق والتشريعات الوطنية والدولية التي تعهدوا بها ، فمن باب أولى ان تفعل ذلك بصورة أشد وأكثر هولاً دولة عصابة متوحشة إجرامية تحكم باسم الاسلام كداعش ، ولا تعترف أصلاً حتى بشرع الله إلا كما تفسره ويفتي به مفتوها المجرمون ، فما بالنا بالتشريعات والقوانين والدساتير الدولية العصرية المسماة لدى الإسلامينن ب " الوضعية " ؟! .
واضح ان المواقع والمدن التي فقدها " داعش " من الأراضي التي يُقيم عليها " دويلته الإجرامية في العراق ، بدءاً على الأخص من تكريت فالرمادي وأخيراً الفلوجة ، هي وراء توسعه في ضرباته الجنونية المتسارعة خارج فضائه السوري العراقي على نحو ما شهدناه بدءاً من هجمات سوسة ثم باريس في نوڤمبر الماضي ومروراً بضربات بلجيكا وتركيا واميركا و ليس انتهاءً بهجمات اليوم الاخير من رمضان الانتحارية في عدة مدن سعودية ، دع عنك المجزرة الكبرى التي ارتكبها قبل هذه الهجمات بساعات في كرادة بغداد ثم في سبع الدجيل بعد العيد بالعراق الذي باتت ساحته المسرح المفضل والناجح بامتياز لداعش والجماعات الارهابية منذ الاحتلال الاميركي لارتكاب هذا النوع من المذابح الارهابية الكبرى بكل سهولة ويسر في ظل بقاء ملف الفساد الذي ما برحت تعاني منه الحكومة العراقية القائمة بأجهزتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية بدون حل نهائي، وفي ظل الصمت العربي ، وعلى الأخص الخليجي ، ناهيك عن الصمت الدولي المريبين المخجلين لدى وقوع كل مجزرة من هذه المجازر الجماعية الكبرى في العراق والتي تحصد الواحدة منها في العادة أرواح العشرات والمئات من الابرياء والتي لا تقارن البتة في ضخامة تعداد ضحاياها من المواطنين الأبرياء بأي مجزرة من المجازر ارتكبها ويرتكبها "داعش" خارج فضاء دويلته في سوريا والعراق . وكأنما اللحم العراقي لحم رخيص لا ينتمي لفصيلة الجنس البشري ولا يستحق على الأقل الادانة القوية بأعلى الأصوات كعمليات داعش في أميركا والبلدان الغربية ، بل وحتى بعض البلدان الخليجية ربما حظيت بشئ من الادانتين الخجولتين العربية والدولية مقارنة بالعراق! .
لعل واحداً من أهم الدروس المستفادة عراقياً من المجازر الداعشية الاجرامية المتوحشة الاخيرة تظهر الحاجة إلى أن تتولى القيادات السياسية العسكرية العليا العراقية وعلى رأسها رئيس الجمهورية نفسه ووزير الداخلية القيام بعمليات التفتيش والرقابة الفجائية الدورية المنتظمة لنقاط السيطرة بغية معاينة مدى جهوزيتها ووقوفها في حالة تأهب على مدار الساعة بل والاضطلاع أيضاً على سير وكيفية عمليات التفتيش التي تقوم بها المفارز الامنية او العسكرية في تلك النقاط ، وبخاصة في المفاصل الهامة او التي يتوقع منها الاختراق الداعشي لا الاكتفاء فقط بوقف العمل بأجهزة التفتيش الاليكترونية الفاسدة التي جلبها الفاسدون ، إذ لاىيعقل ان تظل الدولة بأكملها عاجزة منذ سنوات طوال عن سد هذه الثغرات الامنية البالغة الخطورة إلى أجل غير معلوم مكتفية بالتغني بنجاحاتها وأمجادها العسكرية على خط المواجهة مع "داعش" في المحافظات والمدن التي كان يسيطر عليها وتم تحريرها ، بينما الجبهة الداخلية للمدن والمحافظات التي تحت سيادة الدولة مخترقة من اوسع ابوابها يصول ويجول "داعش " فيها كما يحلو له مما يعرّض ارواح أي مجاميع من الشعب برمته وفي جميع محافظاته بلا استثناء للخطر الداهم في اي لحظة . فلقد كان من المفترض بل ومن البديهي ان يُتوقع انتقام " داعش " بعد تحرير الفلوجة بهذا النوع من العمليات الانتقامية الجبانة ، ومن ثم كان من المفترض مسبقاً بناء على ذلك أن يتم التشديد والرقابة فوراً على مدى كفاءة وجهوزية تلك النقاط ومدى حالة تأهبها في ظل التعطش "الداعشي " المحموم للانتقام الوحشي ، وهو ما تُرجم في ضرباته الانتحارية في اليومين الاخيرين من شهر رمضان الفائت في العراق ثم في سبع الدجيل . وإن كانت ما هي إلا ضربات انتقامية بائسة تترجم شعوره الهستيري ببداية العد التنازلي لزوال " دويلته " في سوريا والعراق ، لكن السؤال هنا : هل بزوال دويلته يزول خطر الارهاب " الداعشي " الذي يهدد المنطقة والعالم ؟ من الواضح جيداً أن " داعش " ستظل تحت يديه بعدئذ اداتين رئيسيتين للمضي قُدماً في أنشطته الارهابية وبصورة اكثر شناعةً ، أولاهما وهي الأهم تتمثل في تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي التي يصطاد من خلالها في شراكه ربما شهرياً مئات الشباب الجُدد من مختلف دول العالم والذين ينجح سريعاً في غسل أدمغتهم بصورة مُدهشة ، وثانيهما "الحزام الناسف " الذي يجري تحصيله او تصنيعه بأي طريقة لتجهيز مشروع انتحاري لتنفيذ مجازر وحسية جديدة . وغني عن القول أن الوسيلة الأولى هي الأخطر والأهم على المدى المنظور والتي ينبغي ان تتضافر جهود الدول والقوى الإقليمية والدولية لإنجازها كمتطلب آني أكثر الحاحاً في ظل الصعوبات الموضوعية والذاتية التي تكتنف عملية إلحاق الهزيمة النهائية للفكر الارهابي الداعشي وأضرابه في المنطقة بصورة نهائية ، وهي عملية بالغة التعقيد في المرحلة التاريخية الراهنة لانها مرتبطة بشروط إنجاز التحولات السياسية والاجتماعية ، وعلى رأسها التحولات الاصلاحية الراديكالية أو إحلال وبناء أنظمة ديمقراطية بثورات شعبية في المنطقة العربية وهي مهمات قد يستغرق تحقيقها وقتاً طويلاً لا يبدو سهلاً في الأفق المنظور .
قبل أيام قليلة من عمليات " داعش " الارهابية الأخيرة في العراق والسعودية اُعلن في واشنطن عن استعداد منظمة " المشروع ضد التطرف " بالتعاون مع البيت الابض والدوائر الاستخباراتية الإميركية لإطلاق برنامج معلوماتي يرصد عبر الادوات الصورية والسمعية المواد المتطرفة على مواقع التواصل الاجتماعي ويحذفها تلقائياً تحت غطاء قانوني بالتنسيق مع الشركات الاحتكارية العملاقة الثلاث التي تحتكر وسائل التواصل الاجتماعي "تويتر" و "فيسبوك " و" يوتيوب " ، ولا شك ان هذا ليُعدإنجازاً مهماً ، إذ لا يُعقل ان يستفيد الارهابيون من واحدة من ثمار الاختراعات العلمية الغربية التي هي مخصصة في الاساس لرفاهية الانسان ومنفعته والمعرفة والثقافة وتنمية الاقتصاد ممثلةً في وسائل التواصل الاجتماعي ولا يكون لدى هذه الدول المخترعة ولاسيما اميركا اختراع علمي مضاد يشل قدرة " داعش ً" من الاستفادة منه . ولما كان من غير الواضح حتى الآن ما إذا هذا البرنامج ستعمل واشنطن على تعميمه على أوسع نطاق في العالم بأسره ، وعلى الاخص في المنطقة العربية بؤرة ونبتة الفكر الداعشي الصحراوية وموضع تمركزه لتصدير الارهاب فكراً وممارسةً إلى العالم ، ام سيقتصر فقط على حماية الفضاء الاميركي . إن امريكا تُخطئ إذا ظنت ستكون بمنجاة عن الخطر الداعشي بحصرها هذا المشروع على منفعتها بمعزل عن التعاون والتنسيق المُحكم مع دول المنطقة المتضررة من الارهاب الداعشي بالرغم من دور الولايات المتحدة نفسها وبعض حلفائها الخليجيين في خلق ودعم "داعش " منذ رعاية اُمها " القاعدة ً" على أيدي " المجاهدين العرب " العائدين من افغانستان وذلك قبل ان ينقلب السحر على الساحر . وفي جميع الاحوال فإن هذا العلاج لن يكون إلا مسكناً وقتياً لا علاجاً نهائياً لإجتثاث الفكر الداعشي من أعمق جذوره مالم حلفاء الولايات المتحدة العرب بالاستجابة لمطاليب شعوبهم في اصلاح انظمتهم ومنحها حقوقها في الديمقراطية والحرية والمساواة والعدل ومالم تقوم اميركا نفسها بممارسة وتكثيف ضغوطها على هؤلاء الحلفاء للشروع في ازالة البيئة الراعية لنمو نبتة الارهاب في بلدانهم وليس الاكتفاء بالوسائل العسكرية والأمنية فحسب رغم قصورها ، ومن نافلة القول ان البيئة التي تنمو فيها بيكتريا الارهاب هي بيئة الاستبداد والحاضنة أيضاً للنبتة الشيطانية وتناميها في المنطقة وذلك من خلال ،على الاقل ، الايفاء بمسلزمات التحولات الاصلاحية الحقيقية الفعلية على المدى المنظور وليس عبر " الطبطبة " التي تمارسها واشنطن مع حلفائها الخليجيين والعرب بتضخيم منجزات اصلاحاتهم الشكلية وتبرير ضروب العسف وابداء القلق المزمن المبتذل عند التنكيل والقمع الوحشي بقوى التغيير الإصلاحية والديمقراطية وبإسم محاربة "الارهاب " ذاته أي مساواة هذه القوى بداعش والجماعات الارهابية الاخرى !