المنبرالحر

هل من تموز جديد يضيء سماء العراق !؟ / عادل كنيهر حافظ

في فجر يوم الرأبع عشر من شهر تموز ، أيقظني صوت جدتي التي تولول وتكرر شتم سالم ابن اخيها ، الذي كان يمرر حجرا على أضلاع المعدن الذي يحيط بالمرحاظ العام ، الذي بنته الحكومة للعموم ، حيث كان مرور الحجر على أضلاع المعدن يحدث صوتا مدويا ، يبدو انه يطرب سالم ،والغريب ان هذا الصغير ينهض فجر اغلب الصباحات ،ليزعج الناس القريبة من مكان لعبه الغريب ، لكن جدتي كانت على غير صواب هذه اليوم ، لان الصوت كان اطلاق نار من بندقية ،تحذيرا لحرس قصر نوري السعيد ، الذين كانوا ثلاثة شرطة ، هذا ما اخبرنا به والدي الذي عاد الى البيت بعد قرابة نصف ساعة ، من عمله في الشرطة السيارة ، وقال يقولون ثورة ، وقال لنا ملازم اول في الجيش روحوا لبيوتكم اليوم عطلة ، اليوم ثورة نطرد الإنكليز ونوري السعيد وباقي عملائهم ، والعراق اصبح جمهورية ، جدتي ردت على والدي بلهجتها الخاصة ( ولك ياهو إليكدر يطرد ابو ناجي ونوري سعيد ؟ انتم مخابيل ) ابو ناجي تقصد الإنكليز ، يسمونهم العراقيين القدامى ، ابو ناجي ولا اعرف لماذا ينعتونهم بهذه الكنية ، وبعد حوالي ساعتين او ثلاثة خرج جمع من الشباب والفتية يهتفون ويصيحون عاشت الثورة ،والموت للاستعمار ، وكان في مقدمتهم المرحوم صدام قوري ، قال لي جواد كاظم صديقي وجارنا ، يلله مشينه وياهم وبعد ان وصلنا الى نهاية الشارع الكبير الذي يقسم أكواخ مدينة الشاكرية الى نصفين ،،تضاعف عددنا أضعاف ، قطعنا المنطقة بين الشاكرية ومحطة السكك الحديد ثم انحرفنا على اليمين في الشارع الذي يؤدي الى الصالحية ،في الطريق صادفني ابن عمي وكان شرطي مرور ، أخذني من يدي وكذلك صديقي جواد وعاد بِنَا الى البيت بعد ان وبخنا : اهلكم يدرون انتم وين الدنيه مكلوبه ،..... المهم المجاميع واصلت مسيرتها باتجاه جسر الأحرار ، وفي اليوم الثاني روى لنا أبناء خالي وبسرور خاطر ،كيف اسقط الجنود تمثال الجنرال مود ، بعد ان ربطوا الحبال على رقبة الجواد الذي يمتطيه الجنرال ثم جروه الى الخلف وعندما وقع التمثال انفصل العقال الذي فوق راس مود وراح يتدحرج على الارض ،،واثنين من النساء لم يبخلن بالهلاهل والجميع حول التمثال فرحين ومنهم راح في الحماس ينشد الهوسات ......، والفرحة تعلو الوجوه وفي اليوم الثالث ، دخل الناس الى قصر نوري سعيد الواقع على السفح الغربي لنهر دجلة في منطقة كرادة مريم ، ويقرب منه في الجهة الاخرى من الشارع المؤدي الى القصر الجمهوري الذي لم يكتمل بناءه بعد ، قصر متين الأركان هو قصر صالح جبر ،الذي اصبح فيما بعد مقر السفارة السوفيتية ، وفي العموم عاش العراق وشعبه عيد بهيج ، بانتصار الثورة المظفرة ، وقد استبشروا خيرا بالثوار وعلى رأسهم الزعيم الخالد قاىد الثورة عبد الكريم قاسم ، الذي راحت الناس تتناقل صوره بزهو واعتزاز ، لقد كانت الثورة العرس الشعبي العظيم ، حيث كان تلاحم الجيش مع الشعب وقواه السياسية الحية وفي مقدمتهم ،الحزب الشيوعي العراقي ، الذي له الدور الكبير ،ولقائده الشهيد سلام عادل ، في تشكيل الجيش السياسي للثورة ، وفي غمرة عطاء الثورة الذي بداء بقانون الإصلاح الزراعي ،وتحرير الفلاحين من تبعية الإقطاع مرورا بقانون رقم ٨٠ الذي انتزع الاراضي العراقية من استغلال شراكات النفط ......... .حتى خروج العراق من حلف بغداد ،ودائرة الاسترليني .
بيد ان هذا الكرنفال العراقي البهيج ، أغاظ بقايا الإقطاع والرجعية الدينية والاستخبارات الأجنبية بالتعاون مع حزب البعث الخاين
وتكوين اتحاد بغيظ ، قابله تلكؤ في قمع ذيول الردة ... مما اعان دواعش ذلك الزمان في وئد الثورة ، ودفع العراق الى مهاوي الردى ولبد سماواته بغيوم الاٍرهاب وكوارث الحروب ،حتى بات إنسان العراق هو أرخص الأشياء ولا احد يمكنه من إعطاء الجواب الشافي على متى يفيق ابناء العراق على نور في سماواتهم ؟ لقد خذلهم الحكام ، وأناخ عليهم الضيم ،حتى أعياهم ثقل أيامهم ، وتقلصت مساحات الرجاء في الخلاص من محنتهم ،التي ازمنت فيهم ، فقرا وعوزا وهظيمة ، والتبست عليهم الأمور ،وراحوا يتلبكون في سلوكهم ، بعد ان وجدوا أنفسهم يقتلون كما يقتل الذباب ، دونما شيء من أسف عليهم ، من حكامهم ، السادرين في غيهم يتحاصصون المغانم ، ويكنزون ألمال ،ولم ينفكوا من الادعاء بخدمة الشعب .... !!!
وهكذا واقع في النظريات السياسية ينذر بالثورة ، بيد ان آفاق العراق تعطل النظريات ، كونها مفتوحة على احتمالات المزيد من الماسي ،في المدى المنظور ، ولا يخال للمرء مهما كانت قدرته في المتابعة والتحليل ،ان ينتهي الى وصف محدد لكيفية خلاص البلاد والعباد من بلواهم بالمحاصصة الطائفية . عليه باتت رؤية العراق حرا وشعبه سعيد ،من الأماني المرهقة .