المنبرالحر

آثار السياط..لسان التاريخ / ئاشتي

كدت تبتسم لفرح قادم من ظلمات أيام امتدت لما يقارب أربعة عقود من السنوات، وكانت ابتسامة فرحك هالة من التفاؤل الذي راود مخيلتك منذ أن تعلمت الحرف الاول في السياسة، وهي التي قادتك إلى مدن المنافي، مثلما علمتك كيف يحب الانسان وطنه وشعبه ويضحي من اجلهما، لهذا صار الفرح حلما بالنسبة لك. أمضيت عمرك تبحث عنه في كل منعطف تتوهم أنه سوف يوصلك إليه، تحملت كل العذابات التي يجهل البعض مرارتها، وغامرت بحياتك بكل ما تحمل في روحك من ثقة بمستقبل هذا الفرح الحلم، وكأنك بذلك تبلغ الذرى، ليس لشيء في ذاتك بقدر ما هو لشيء يهم الجميع. هو لأبناء مدينتك الصغيرة، وهو لأبناء محافظتك، وهو لأبناء وطنك الذي يسلب من عينيك النوم في لحظات الضياع، هو لعراقك الذي يرقد فوق أضلاعك مثل خال وحام. كلما حاولت أن تجد مبررا للضياع منه، تجد نفسك تسبح في بحيرة أحلامه التي هي احلامك، يأخذك الموج بعيدا وتراودك افكار شتى، إلا فكرة زوغانك من هذا الذي اسمه العراق، حتى لكأنك مشدود من حبل السرة في زوايا خارطته.
كدت تبتسم ولكن تم ذبح هذه الابتسامة بسياط الجلاد، التي رسمت ظلالها على اضلاع وظهور من احبوا هذا العراق، ليس لشيء سوى أنهم أرادوا أن تتوقف السرقات المشرعنه، ليس لشيء سوى انهم أرادوا أن يتوقف نزيف ثروة العراق. لهذا أنهالت سياط جنود الحاكم عليهم. لم يحمل المتظاهرون البنادق ولا أحزمة ناسفة على أجسادهم وإنما لافتات تطالب بحق الشعب. ولم يهتف المتظاهرون بسقوط الحكومة بل ذكروها بحق الشعب عليها، لهذا تركت سياط جنود الحاكم آثارها الحمراء على ظهورهم. وكذلك اعتقلوا بعضا منهم، في الوقت الذي كانت تنقل فيه القناة الحكومية مساندة رئيس الوزراء لمطالب المتظاهرين. مثلما تم منعهم من الوصول إلى ساحة التحرير وساحة الفردوس. كانت حقا مفارقة مضحكة مبكية: مساندة واعتقال، دعم وسياط تلهب الظهور. لقد غفل الحكام حقيقة ان اثار هذه السياط ستكون لسان التاريخ الذي سيحاسبهم على ادعاءاتهم بالديمقراطية.
كدت تبتسم ولكنك تذكرت مرة اخرى صنوج البنادق مثلما يقول المبدع حميد المختار:
مرة أخرى
تعزف لنا صنوج البنادق
ها انا ذا اسمع دويا هائلا
وسمتا غريبا
لقد أشرقت النار داخل أرواحنا
وماتت المدينة على جبينك أيها الصديق