المنبرالحر

/سوريا: بين الشرعية الدولية وشريعة الغاب..!؟؟/ باقر الفضلي (*)

تعيش سوريا اليوم، تحت ضغط حالة من العسف اللامسؤول، من قبل اكبر دولة مسلحة حتى الأسنان؛ دولة شاءت الصدف التأريخية، أن يناط بها مسؤولية حفظ الأمن والسلم الدوليين، بإعتبارها أحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبالتالي وجدت في نفسها القدرة والمكنة في تحديد القرار الذي يناسب مصالحها، في تجريم أي من دول العالم، ممن يشكل أو يقف عقبة في طريق هذه المصالح؛ فهي وطبقاً لما تشيعه من عقيدة ومباديء، والتي ما إنفكت ترددها ليل نهار، بإعتبار إنها الدولة الراعية لأسس ومباديء الديمقراطية في العالم؛ فهي والحال؛ تجدها في عين الوقت، قد نصبت من نفسها، مدعياً وحاكماً ومنفذاً للقرار، وسعيد من يفلت بنفسه من إنتقامها، وقد نأت بنفسها بعيداً عن قارات العالم، طليقة في تحكمها بشؤون الجميع، من خلال إذرعها الممدودة والمغروسة في كل مكان..!؟

 

ومن المفارقات اليوم، ان تكون دولة سوريا العربية المستقلة، والعضو المؤسس للأمم المتحدة والجامعة العربية، هي كبش الفداء المرشح لأن ينحر بيد الدولة " العظمى" وسيدة دول العالم، والحامية الأولى للسلم والأمن الدوليين، وراعية الديمقراطية في العالم، وصاحبة أول رئيس للدولة يحمل "جائزة نوبل للسلام "، لتكون في عداد تلك الدول والشعوب التي سبق وهدرت أمريكا، وبدم بارد، دماء الأبرياء من أبنائها، ودمرت هياكل بنائها الإقتصادي والإجتماعي، بالنابالم والغازات الكيميائية واليورانيوم المنضب، والقنابل الذرية، ولا عجب إذا ما تكررت اليوم، التجربة نفسها، مع سوريا أو غيرها من الشعوب والبلدان..!!

 

فالعدوان المرتقب على سوريا، قد وجد تعبيره الواضح المعالم، على لسان وزير الخارجية الأمريكية السيد جون كيري في بيانه الصحفي من واشنطن بتأريخ 30/8/2013، والذي جسد فيه، كل ما تمت الإشارة اليه في مقدمة هذه المقالة؛ فكل ما جاء من حيثيات وتفاصيل خطاب السيد جون كيري، إنصب في البداية على إبراز دور أمريكا (كجهة مدعية )، في التهمة الموجهة الى سوريا حول إستخدامها الاسلحة الكيميائية، وحاول في توجيهه الإتهام المذكور، وهو يخاطب الرأي العام الأمريكي، ان يوظف كل ما في إمكانه من التركيز على الجانب الإنساني والمعنوي، بهدف التاثير على مشاعر المواطنين وكسب تعاطفهم، بما فيها عرض أفلام من الفديو لضحايا من الأطفال، ويكفي القول هنا، وطبقاً للقاعدة الفقهية/ التي تقول: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر))، والعلة في وجوب هذه القاعدة هو ما يقوله الفقه : ))   ... والحكمة في كون البينة على المدَعي أن جانب المدعي ضعيف لأنه يدعي خلاف الظاهر فكُلف الحجة القوية وهي البينة فتقوى بها ضعف المدَعي.. وجانب المدعى عليه قوي لأن الأصل فراغ ذمته فاكُتفي منه باليمين وهي حجة ضعيفة.((  (1)

 

وفي هذا الجانب، وهذا ما تمت الإشارة اليه في مقالة سابقة، فلم يلمس المستمع لخطاب السيد الوزير ما يؤكد أو يثبت إدعائه من دليل، وإكتفى بمجرد التعظيم من هول الحدث وأخذ على عاتقه مهمة إصدار الحكم بالقرار المتوقع إتخاذه من قبل الرئيس أوباما بحق سوريا، كعقاب على إستخدام مزعوم من قبل سوريا للأسلحة الكيمياوية، وبهذا نصب السيد جون كيري من أمريكا، حاكماً بأمره من وراء ظهر الشرعية الدولية، الأمر الذي أكده السيد أوباما في خطابه المفاجيء وقبل أقل من ساعة من الآن، وهو يلوح بإتخاذه القرار بتوجيه الضربة العسكرية ضد سوريا، وبأنه سيطلب من الكونغرس الأمريكي التصويت على قراره..!؟؟؟

 

لقد أثبت السيد أوباما بقراره المذكور، وهذا ما أشار اليه في خطابه؛ بأن أمريكا قدا جاوزت كل الحدود الشرعية ، وبأنه قد وضع نفسه على طريق سلفه السيد بوش الأبن، وبأنه قد رمى الكرة في ملعب الكونكرس الأمريكي، معلناً بأنه قد قام بما هو مطلوب منه لمعاقبة سوريا ، رامياً بعيداً عن طريقه، دور مجلس الأمن والشرعية الدولية، متمسكاً وبذريعة الحفاظ على الأمن القومي، "بشريعة الغاب"، غير مبال بكل ما يمكن أن تكون عليه تداعيات الضربة العسكرية الأمريكية، وما هي أعداد الضحايا من المواطنين السوريين الأبرياء الذين سيسقطون ضحايا جراء الضربة العدوانية، ولكن من ينتهج نفس طريق السيد جورج بوش الأبن، لا يضيره بعد ذلك، ما ستكون عليه أعداد الضحايا، وما سيبلغه حجم الخراب والدمار؛ ولكن يظهر أن من يحمل جائزة نوبل للسلام، يبدو وكأنه الأجدر من يثبت للعالم؛  بأنه "رجل السلام" بحق، وهو من سيطفأ نار الحروب التي أشعلها وسيشعلها بنفسه، فليطمئن الكونكرس الأمريكي والشعب الأمريكي، طالما حباه الله برئيس مؤمن لا يحب إلا  "السلام"...!؟؟

 

أما الشعب السوري البطل، فهو من يدرك كل تفاصيل اللعبة من بداياتها ، وسيغنيه صموده الرائع، صموداً فوق الصمود؛ صموداً لن تقوى على كسره كل محاولات المستنجدين بالأساطيل الأمريكية وحلفائها، ولم يفت في عضده لا غزوات الإرهابيين ولا تخرصات المستسلمين اليائسين..!؟ 

تحية إكبار لصمود الشعب السوري العظيم   

باقر الفضلي / 31/8/2013  

_______________________________________________________________

(1)     http://www.elajyal.net/videos/105627/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%

(2)      http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2013/08/130831_syria_putin.shtml

(*)      http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=375528