المنبرالحر

الازمة العراقية بين التوطين ونجاعة الحلول / خليل ابراهيم العبيدي

استباحت الساحة العراقية بعد السقوط كيانات تَعُد نفسها سياسية ، وذلك بسبب قيام النظام السابق بمعاداة الاحزاب التقليدية العراقية ، ومحاولته تصفيتها وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، وان اغلب هذه الكيانات الجديدة لا تمتلك مدرسة فكرية او منهجية واضحة ولا فكرا اقتصاديا ، او حتى برنامجا معلنا، ولو اخضعت بعضها لمعايير علم السياسة لما حصلت على عنوان حزب، ذلك ان الاحزاب الحقيقية ، هي تنظيمات جماهيرية يحتويها تنظيم يوحد اهدافها ويحقق امالها ولها برنامج محدد وواضح وفكر اقتصادي محدد الهوية يعمل على تحقيقه عند استلامه السلطة ، لقد اتسمت بعض هذه العناوين بالسطحية واللا سياسية ، لان السياسة هي علم ادارة الدولة ، وفن حل المشكلات ، فهل كانت هذه العناوين طيلة الفترة السابقة بمستوى هذا التعريف؟ الجواب كلا ، والا لما استمرت هذه الازمات . وبعض هذه الكيانات كانت وما زالت عناوين بلا محتوى ولا تملك قواعد حقيقية تصل بها الى السلطة ، وبسبب استلامها هذه السلطة بمساعدة المحتل ، وللاسباب السابقة اصبحت هذه العناوين منتجة لازمات هذا البلد وتراوحت بين الطائفية والقبلية والعنصرية ، زد على ذلك الازمات الاقتصادية المستحكمة ، واسباب كل ذلك الجهل بمفهوم السياسة والعبث بالقوانين وتغليب الذات على الموضوع ، يقول العراقيون في مساجلاتهم على الدوام وفي تعليقاتهم ، هل تصدق ان تأتيك امريكا بمن يبني العراق؟ والحق يقال ان هذه المسلمة اتضح انها صحيحة وفاعلة جدا. ولما كانت بعض هذه الاحزاب هي عناوين فقط او احزاب اشخاص ، لذا نراها تحولت بمرور الزمن وبسهولة الى احزاب تجارية ونفعية ، فبدلا من جعل الوزارة ديوان خدمة وانتاج واعمار ، نراها تحولت الى ضيعة تعود إلى هذا الحزب او ذاك الكيان بالمردود المالي الحرام ، ان الازمة المالية هي نتاج عمل هذه العناوين ، ولقد عبرت هذه العناوين عن مصالح فئوية ضيقة ، حيث تولت السلطة في العراق بعد السقوط ثلاث مجموعات ولكن بدرجات مختلفة ،وتضم المجموعة الاولى الذين جاءوا مع المحتل، وهم المجموعة التي تنتسب رسميا الى دوائر اجنبية لها مفهوم تقديم مصلحة تلك الدوائر على مصلحة بلدها واغلبهم يحمل الجنسيات الاجنبية، اما المجموعة الثانية فاخذت تحكم بفعل التبعية الطائفية والعشائرية، وهم بعض رجال الدين وبعض شيوخ العشائر، وهذه المجوعة جاءت في حاشية المجموعة الاولى ، وظلت هذه المجموعة يتراوح جهدها بين فلسفة تبرير شكل الحكم القائم وبين شرعنة العمل الحكومي باعتباره ممثلا للعدل الديني المطلوب ، ولكن بالمقابل شهد العراق جهودا سلبية لشيوخ العشائر وخاصة في الموصل والانبار، حيث تم توجيه الناس نحو منزلقات خطيرة ومميتة ،كانت نتيجتها استفحال الارهاب ، ونمو سرطاني للفكر الطائفي وهذا عامل مساعد وبالمجان للازمات في هذا البلد الجريح اما المجموعة الثالثة فتمثلت بالأميين الذين تسللوا الى الجهاز الاداري ومن غير حملة الشهادات العلمية ، والذين ازاحوا من طريقهم الكفاءات العلمية ومن الاداريين اصحاب الخبرة في ادارة المرافق الحكومية ، فقلبوا موازين الدولة وحولوا دواوينها الى ضياع عائلية او طائفية او عنصرية مما افقد هذه الدائرة او تلك عناوينها الادارية والوطنية . ناهيكم عن الفساد الذي استفحل في دواوين الدولة ومنشآتها ، والذي ادى هو الاخر بدوره الى تعميق الازمة واخذها ابعادا طبقية جديدة ، اذ نتج عن ذلك بروز واستفحال دوامة الفقر والبون الاقتصادي بين الحكام والمحكومين ،مما تسبب في ولادة انقسامات جديدة هي الاخرى في المجتمع لتترك اثارها الجانبية المؤلمة.
الدولة باقية والسلطة متغيرة . فالدولة هي الاصل اما السلطة فهي الفرع . الدولة تحكم باسم الشعب اما السلطة فهي تنفذ احكام الدولة ،السلطة اما ان تكون تشريعية او ان تكون تنفيذية او سلطة قضائية ، والجميع هم إجزاء الدولة ،عليه فان السلطة هي مجموعة الاشخاص المنتدبين لخدمة الشعب من خلال وجود الدولة ، عليه فالعراق بعد كل هذه المقدمة يمر بكل هذه الازمات نتيجة اخضاع الدولة الى السلطة، بتعبير اخر ارادت جميع السلطات بعد السقوط تذويب الدولة او بالاحرى ابتلاعها ، والمجتمع العراقي اذا اراد ان يبني حياة جديدة عليه ان يدفع بالسياسيين إلى الفصل بين السلطة والدولة ، لان السلطة قد تكون سلطة طائفة او سلطة قومية او سلطة مذهب في حين ان الدولة هي دولة الكل، ما دامت تمسك بالدستور والقوانين النافذة ، فالشعور الجمعي تعبر عنه قوانين الدولة ، اما الشعور الفردي او الشخصي فتجده شاخصا في السلطة الغاشمة ، ومنذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921 ،وصدور اول دستور عام 1925 والمدارس العراقية تحاول اخضاع الدولة ولم تك على الدوام تفصل بين سلطتها وبين الدولة لذا فقد كانت بشتى الوسائل تتمترس داخل اروقة الدولة للدفاع عن مصالحها وقد تحالفت مع العقليات العسكرية غير المهنية للتمسك بالسلطة رغما عن انف قوانين الدولة ، وظلت على هذا المنوال كل تلك المدارس تولد الازمات الواحدة تلو الاخرى ، حتى بات العراق بلد الازمات ، وعملت هذه الازمات بدورها هي الاخرى على عدم الانتباه الى الهوية الوطنية ، نتيجة تخندق هذه المدارس وراء المفهوم النقابي للعنصر او الطائفة، مما نتج عنه احزاب قومية او احزاب دينية او احزاب اشخاص ذوي مصالح اقتصادية معروفة وظلت كل هذه الاحزاب باستثناء الحزب الشيوعي العراقي، غير عابرة للفئوية الى الوطنية . احزاب جماعات لا احزاب وطن ، والقاعدة تقول ان اي مجتمع يتخطى العنصرية والطائفية والمذهبية الى الهوية الواحدة ، هو المجتمع الوحيد القادر على بناء دولة ، وللخروج من الازمة الحالية قبل ان تتوطن وتولد ازمات اخرى يتعين الاخذ بالمقترحات التالية:
اولا ، الانتقال من الهوية الضيقة الى الهوية الوطنية ، وذلك بان تقوم جميع الاحزاب والكتل القائمة بتبديل مناهجها وخطابها ، وذلك بان تعقد مؤتمرات علنية تراجع فيها سياساتها السابقة وتعلن البراءة من السلوكيات السابقة
ثانيا، تبني مناهج سياسية واضحة توضح فيها متبنياتها السياسية تجاه شكل النظام السياسي الذي تؤمن به للدولة العراقية الجديدة
ثالثا . تبني نهجا اقتصاديا وفكرا عمليا ،وبيان راي كل حزب او تكتل بمستقبل العراق الاقتصادي اهو بلد ياخذ بنظام اقتصاد السوق؟ ام النظام القائم على ملكية الدولة؟ خاصة وان العراق لا يمتلك رأسمالية وطنية فاعلة وان التوجه الرأسمالي العراقي الى الخارج. وان القطاع العام معطل ولأسباب مجهولة،
رابعا ، مغادرة عقلية التمسك بالاخطاء وخاصة في السياسة المالية والعمل على مغادرة طريقة بيع العملة العشوائية، والعمل بطريقة فتح الاعتماد وتدقيق وصول السلع ،
خامسا تفعيل دور وهيمنة وزارة التخطيط ، والتوجيه بوضع وتنفيذ الخطط الخمسية وذلك للبناء في كافة مرافق الحياة
سادسا . التوقف عن سياسة الاقتراض لان الاقتراض مقيد وتترتب عليه فوائد ، وليكن الاقتراض للاغراص الانتاجية فقط ولان الانتاج وحده القادر على تسديد القروض.
سابعا . الاسراع وبجدية في انتاج الكهرباء وبالشكل الذي يؤمن الطاقة للمعامل والمرافق الانتاجية الكبرى .
ثامنا. البحث بجدية عن الاموال لدى الغير والاموال المسروقة واموال النظام السابق.
تاسعا . التوقف عن البذخ في المصروفات العامة والعمل على اعادة توزيع القوى العاملة في قطاعات الدولة ، وتنشيط منشآت وزارة الصناعة والتصنيع العسكري السابق. دعما للقوات المسلحة والحشد الشعبي في حربهما على الارهاب الداعشي البغيض.
لكل ما تقدم وباختصار شديد ولمغادرة كل هذه الازمات ، نسعى مع الاخرين الداعين الى تشكيل حكومة من الفنيين المستقلين ،ومن اصحاب الكفاءات والخبرات ،ومن درجة وزير وصولا الى مدير قسم.