المنبرالحر

موازنة 2017 خاضعة لتأثيرات صندوق النقد الدولي / عادل عبد الزهرة شبيب

أعلن رئيس مجلس الوزراء الثلاثاء 23 آب 2016 من خلال مؤتمره الصحفي عن مناقشة المجلس الموازنة الاتحادية لعام 2017 والتي ستقدم في بداية أيلول الى مجلس النواب لإقرارها . ويلاحظ من خلال التسريبات أن هذه الموازنة سوف لن تكون بعيدة عن تأثيرات صندوق النقد الدولي حسب الاتفاق المنعقد بين الحكومة وصندوق النقد الدولي الذي قدم بدوره قرضا للعراق بقيمة (5,4 ) مليار دولار وبفائدة قدرها (1,5) سنويا. وكان القرض كما هو معروف وفقا لشروط على الموازنة الاتحادية للسنوات القادمة , منها فرض ضرائب جديدة وتقليل الانفاق الحكومي والغاء التعيينات وتقليص العجز في الموازنة وغيرها . وتشير الانباء الى أن موازنة 2017 ستكون بعجز تقدر نسبته بحدود 20في المائة، ووفقا لتوجيهات صندوق النقد الدولي فان على الحكومة العمل على ايقاف هدر الثروات وايقاف التعيينات وهيكلة الموازنة الاتحادية وتقليص الانفاق الحكومي . و لذلك فإن على الحكومة العمل على تحسين جباية الضرائب والجمارك وتحسين الجباية في المنافذ الحدودية وضرورة مكافحة الفساد المالي والاداري المستفحل في اجهزة الدولة المختلفة المدنية والعسكرية وتقليص رواتب الرئاسات الثلاث والغاء حماياتهم التي تكلف موازنة الدولة الكثير.
وستعتمد الموازنة على سعر 35 دولارا لبرميل النفط وانها موازنة انتقالية من الحرب الى السلم بعد القضاء على داعش وان التعيينات سوف لن تلغى بالكامل وانما ستقتصر على أربع وزارات فقط وهي الدفاع والداخلية والصحة والتربية والتعليم .
الموازنة كما هو معلوم تعتبر المحرك الاساسي للاقتصاد الوطني والاداة الرئيسة لتنفيذ السياسة الاقتصادية, وحتى تؤدي الموازنة مهامها بشكل صائب لابد من :-
1. أن يجري اعدادها في سياق نهج استراتيجي وسياسة اقتصادية –اجتماعية واضحة .
2. توظيف موارد الدولة والقطاعات الاقتصادية المختلفة لتطوير البلاد .
3. أن تسعى الموازنة الى تحقيق رفاه الشعب .
4. أن تساعد على تأسيس اقتصاد يتصف بالدينامية والنمو المتوازن والدائم .
5. أن تضمن ربط التخطيط والمشاريع في القطاعات والوزارات مع الاولويات الوطنية .
6. ضمان التنسيق بين الجهات ذات العلاقة كافة .
7. أن يتم تقديمها في نهاية السنة المالية المنتهية والعمل بها في بداية السنة المالية الجديدة في 1/1.
8. أن لا يتم اقرارها وتمريرها في مجلس النواب وفق مساومات وتنازلات لتمرير بعض القوانين وانما يؤخذ بنظر الاعتبار المصلحة العامة للبلاد بعيدا عن مبدا ( شيلني وأشيلك ) المعتمدة حاليا في مجلس النواب .
الموازنات العامة للبلاد طيلة السنوات المنصرمة عكست الطبيعة الاحادية الريعية لاقتصادنا الوطني حيث شكلت العائدات النفطية حوالي 95 في المائة، من اجمالي الايرادات في ظل عدم استقرار أسعار النفط في السوق العالمية وتذبذبها وتعرضها إلى الانخفاض الحاد وتعرض الاقتصاد العراقي إلى العديد من الازمات الاقتصادية الخانقة جراء ذلك . كما يلاحظ في هذه الموازنات أيضا قلة المصادر الاخرى من الايرادات غير النفطية كالضرائب اضافة الى ضعف النشاطات للقطاعات الاقتصادية الاخرى كالزراعة والصناعة والسياحة والتعدين وغيرها..
ويلاحظ أيضا أن النفقات التشغيلية في الموازنات السابقة تحظى بالتخصيصات الاكبر مقارنة مع التخصيصات الاستثمارية , في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد الى الاستثمار لإعادة بناء وتطوير البنى التحتية المدمرة والمتهالكة ولتوفير الخدمات الاساسية وتفعيل النشاطات الانتاجية للقطاعات الاقتصادية المختلفة وتحفيز النمو الاقتصادي بهدف خلق فرص عمل وتقليص معدلات البطالة والفقر المرتفعة.
كما تميزت موازناتنا الاخيرة بوجود نسبة عجز فيها ستجري تغطيته عبر الاقتراض الداخلي والخارجي، وتم الاقتراض من صندوق النقد الدولي وفق شروطه الثقيلة والجاهزة, كما سيتم التوجه إلى الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية. وتترتب على الاقتراض الخارجي اعباء ثقيلة ترهق المالية العامة للبلاد ومن هنا اهمية وضرورة تحديد أسباب العجز وضبطه وفقا للحاجات الفعلية لاقتصادنا الوطني والاولويات الاقتصادية والاجتماعية للموازنة العامة , كما ينبغي ضغط النفقات غير المبررة وترشيد الاستهلاك الحكومي الذي يتميز بالبذخ واللامبالاة .
وايضا تتميز آليات اعتماد الاسعار التخمينية للنفط وكميته المصدرة في الموازنة بالارتجال فكثيرا ما تحدد الاسعار التخمينية بشكل أعلى من سعر السوق المتداول ويجري التصرف بجزء من موارد الموازنة العامة بعيدا عن الرقابة ولأهداف سياسية غير معلنة القصد منها توسيع القاعدة الاجتماعية للفئات المتنفذة وكوسيلة لشراء الاصوات في عملية الانتخابات بصورة غير شرعية واستغلال المال العام في الانفاق على حملات الانتخاب.
كما تفتقد الموازنات السابقة الى آليات لمعالجة فروق أسعار النفط الخام في حالة بيع النفط الخام بأسعار اعلى مما مثبت في الموازنة فهي ايرادات خارج الموازنة ويتم التصرف بها دون موافقة أو رقابة برلمانيتين، وينطبق هذا بشكل خاص على موازنة 2017 في حال تبني سعر 35 دولارا للبرميل والذي هو ادنى من الاسعار الحالية للنفط ومن مستوياتها المتوقعة.
ان موازنة 2017 ينبغي أن تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الانتاجية الوطنية وخاصة الزراعة والصناعة وزيادة التخصيصات لهما في الموازنة العامة مع زيادة التخصيصات الاستثمارية وضرورة التأكيد على الاهتمام برفع كفاءة الاجهزة التنفيذية التي تتميز بترهلها واعتماد المحاصصة والمنسوبية في التوظيف واستشراء الفساد والذي يسبب المستوى المنخفض لنسب تنفيذ المشاريع على صعيد الوزارات وفي المحافظات ,ما يحول دون انجاز المشاريع المخطط لها في وقتها المحدد . اضافة الى ضرورة الاهتمام بتحسين وتطوير اساليب ونظم الادارة وتوفير الكوادر الفنية المؤهلة لإدارة المشاريع مع ضرورة اجراء اصلاح عميق في اسس ونظم وقواعد اعداد الموازنة والاطر الادارية والفنية لتنفيذ المشاريع. ومن الضروري جدا اعتماد الدولة رؤى استراتيجية اقتصادية واضحة ومتكاملة تحدد في ضوئها الاولويات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن ترجمتها الى خطط وبرامج استثمارية تتولى تنفيذها اجهزة ومكاتب متخصصة في إدارة المشاريع . وللتخلص من الصفة الاحادية لاقتصادنا الوطني المعتمد على مورد وحيد تحدد عائداته الاسواق العالمية , لابد من اعتماد سياسات واضحة وثابتة في التوجه نحو تنويع وتنمية مصادر ايرادات الموازنة العامة كالعوائد الضريبية العادلة والرسوم الجمركية وتحسين نظام جباية رسوم الخدمات ومكافحة الفساد المالي والاداري .(1)
ومن الضروري تقديم الدولة كشفا بالحسابات الختامية في نهاية كل سنة مالية وبكل شفافية لمعرفة نفقاتها وايراداتها وكيف تصرفت بالمال العام وهذا مالم تلتزم به الدولة حتى الان مما يثير الشكوك والشبهات حول سرقة المال العام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن وثائق المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي (8-13 أيار 2012 ).