المنبرالحر

زواج القاصرات ظاهرة اجتماعية يمكن التصدي لها / محمد حسن السلامي*

مازال الباحثون والدارسون الاجتماعيون والقانونيون عن الأسباب التي تجعل بعض الأسر- حتى المنشأة حديثا - منها لا تجد الاستقرار في حياتها الاجتماعية ، والمرأة فيها خصوصا حيث تعاني معاناة مركبة شديدة ، فإنهم يضعون إصبعهم على احدى اهم الأسباب لعدم الطمأنينة والتماسك العائلي الا وهو (( زواج القاصرات )) الذي لم تعرفه المدن بل كانت مقتصرة في الارياف ، فقد ازدادت حالات تسجيل هذا النوع من الزواج خارج المحاكم وخلافا للقانون ، لذلك فإن منظمات وشخصيات قانونية وأساتذة في علم الاجتماع وعلم النفس ، كذلك الاطباء وغيرهم قد عقدوا ندوات وسمنارات وورش عمل لبحث هذه المشكلة الاجتماعية والقانونية ، وما زالت المنظمات التي تشغلها مشاكل حقوق الانسان وحقوق المرأة تنظم الندوات لتسليط الضوء على الظاهرة الاجتماعية هذه وتقليل آثارها على المجتمع إذ عقدت منظمات نسوية مثل منظمة نساء من اجل السلام او معهد المرأة القيادية - رابطة المرأة العراقية ، الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان ، ، وغيرها تواصل العمل على التوعية بمخاطر هذه الزيجات على مستقبل العوائل والمجتمع ثم لإيقاف زواج القاصرات .
ما هو زواج القاصرات ؟
لو اخذنا المعيار العمري فان قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨لسنة ١٩٥٩قد حدد واشترط العمر بإتمام الأهلية للزواج كالعقل و إكمال عمر ١٨ عاما ( المادة 7 من القانون ) مع السماح بالزواج بإذن القاضي من بلغ خمسة عشر عاما ( المادة 8) لكن إذا طلب ذلك في حالة تحقق ما يلي باعتباره استثناءا : -
1- وجود الضرورة القصوى لهذه الزيجة
2- تحقيق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية
3- موافقة الولي
كذلك عندما نطالع اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 وفي المادة الاولى منها تنص ( لأغراض هذه الاتفاقية يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه ) .
في نفس الوقت نجد ان بعض فقهاء المذاهب الاسلامية لم يحددوا سن البلوغ الذي تتم به اهلية الفتى او الفتاة للزواج بشكل قاطع ،غير ان الكثير منهم قدرها ب15 عاما للذكر والانثى ، اما فقه المذهب المالكي جعل البلوغ في سن الثامنة عشر للفتى والفتاة وهو ما يتوافق مع القانون واتفاقية حقوق الطفل ايضا .
لذلك يمكننا التأكيد ان الكثير من مواد قانون الاحوال الشخصية رقم 188لسنة 1959 المعدل قد تناسق مع اراء الكثير من المذاهب والفقهاء في تحديد الاهلية القانونية للزواج كذلك ، غير ان الاعراف والتقاليد والمشاكل الاجتماعية والاوضاع الاقتصادية قد تدفع الكثير من الاباء عن القبول او فرض زواج ابنائهم في عمر قبل بلوغ الاهلية القانونية ، مما جعل اطفالا كثيرين يرغمون على الزواج في سن مبكرة .
تشير احصاءات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المستندة الى بيانات ( اليونسيف ) بان نسبة زواج الاطفال للسنوات ما بين 2000 الى 2008 بلغت 16% ، كذلك وجدت ان بعض الاحداث المحكومون في السجون بجرائم متنوعة في الكرخ فقط هم متزوجون بشكل غير قانوني فمثلا سنة 2005عددهم ( 3) كذلك في سنة 2006 بلغ عددهم ( 3) اما سنة 2007 ارتفع الى (9) وتصاعد العدد الى( 11) سنة 2008 اما سنة 2011 فقد بلغ ( 19 ) حدث محكوم عليه وهو متزوج بشكل غير قانوني ، اضافة لهذه الارقام وفي نفس السياق عن الزواج المبكر في جانب الرصافة وجدت ( 344) حالة زواج مبكر ما بين كانون الثاني الى الشهر مايس من عام 2010، كما سجلت وزارة حقوق الانسان ( 149) حالة طلاق لمتزوجين دون السن القانوني .ويمكن القول حسب احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء ان 1/5 من النساء العراقيات قد تزوجن في سن يقل عن 18 عاما من عمرهن .
ان المعلومات المعروضة امام القاريء اعلاه تدعونا الى التذكير بنتائج وامور هامة اخرى مثل :-
ا- العلاقة بين الزواج المبكر والعنف الاسري الذي تتعرض له الفتاة القاصر ، وغالبا ما تكون ضحية العنف بسبب فرض وليها تلك الزيجة بسبب عادات او حاجة اقتصادية او اعتقاد بالتخلص من المشاكل الاجتماعية للبنت بعد الزواج وبينت دراسة قام بها معهد المرأة القيادية سنة 2012 ان 112 فتاة متزوجة من مجموع 192 تعرضن للعنف وكانت اعمارهن عند الزواج ما بين 15-19 عام .
ب- سلب الارادة من قبل الولي خاصة الفتيات ، اذ ان الاباء كثيرا ما يدفعون بناته الى الزواج المبكر دون رغبة الفتاة نفسها ؛ لقد اظهرت احدى الاستبيانات التي اجريت عام 2012 على مجموع 304 من المتزوجات ان 64 منهن قد اجبرن على الزواج دون ارادتهن خلافا لما جاءت به المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو )
فقرة1- ب - نفس الحق في حرية اختيار الزوج وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل
فقرة 2- لا يكون لخطوبة الطفل او زواجه اي اثر قانوني .......
ج- ان الزواج المبكر يحرم الفتاة غالبا من الاستمرار في الدراسة ، ونجد انه من المؤسف ان يكون فشل الفتاة في المدرسة نتيجة الحالة النفسية التي تعيشها الفتاة عند مناقشة زواجها مجبرة والفشل الدراسي بالتالي يكون سببا في سرعة تزويجها وهي ما زالت قاصرا .
وان الزواج في السن المبكرة تعني اغلب الاحيان عاملا من عوامل التسرب المدرسي في الدراسة المتوسطة او الثانوية وبالتالي حرمان الاطفال الراغبين بمواصلة التعلم من الدراسة التي بدورها لا تمنح الام والاب القاصرين خبرة حياتية في التربية السليمة عند الانجاب والرعاية .
د - المقدرة الانجابية :- من المخاطر المسجلة في الزواج المبكر على المستوى مؤسسات الولادة او داخل البيت فإن البنت القاصر اذا حملت جنينا في فترة مبكرة من الزواج هذا ؛ قد لا يكتمل عمر الجنين مدته الكاملة 9 اشهر بل حيث ان جسمها مازال نموه لم يكتمل ؛ فتتعرض للإجهاض المتكرر وقد تتعرض الفتاة الى فقر الدم خاصة خلال فترة الحمل ، اضافة الى زيادة نسبة وفاة الامهات الصغيرات عن الامهات اللواتي بلغن العشرين فما فوق خلال إجراء الولادات ، ووجد ان وفيات الاطفال للأمهات الصغيرات اكثر عددا من اطفال الامهات الاكبر سنا .
هـ:- يكون تسجيل زواج القاصرات في اغلب الاحيان خارج المحاكم فيذهبون الى ( السيد او رجل الدين ) ويأتون الى المحكمة لتصديق عقود السيد ورجل الدين دون ان يقوم المتزوجين ترديد ( صيغة الايجاب والقبول ) ففي احصائية لمحاكم الاحوال الشخصية في الكرخ من بداية عام 2010 الى 31/8/2010 وجد انه كانت 2301 دعوى تخص الزواج خارج المحاكم ، وبعض هذه الزيجات غير قانونية من حيث عدم توفر المستمسكات المطلوبة لكن رجل الدين يغض النظر عن ذلك ، الى جانب ان اجوره مرتفعة جدا ، كذلك ان بعض الزيجات تعقد لديهم في فترة العدة ،بما يخض الارملة او المطلقة ، وقد يتم تسجيل عقد الزواج في المحكمة وتكون المرأة حامل فتظهر مشكلة تسجيل الوليد في فترة قريبة لتسجيل عقد الزواج والولادة ، فترفع دعوى تصحيح عقد الزواج .
إن هذه المشاكل التي تتأطر بالاطار القانوني يكون تأثيرها الاجتماعي او النفسي على المجتمع كبير جدا وبالتالي لا بد من مواصلة التوعية بمخاطر الزواج المبكر وعدم قانونيته ، بل حتى الجانب الديني لا يعتبر مباحا بالمطلق ، فكما اوردنا ملامح عن موقف بعض المذاهب من سن الزواج ، وهنا نورد قول مفتي مصر والازهر الشيخ علي جمعة ((من سلطة ولي الامر تقييد المباح لان الاصل في الاسلام الاباحة ، وطالما لم يرد نص في القرآن ولا من السنة يحدد سنا معينا ؛ فإن من اختصاصات ولي الامر سن القوانين ،وان يرفع سن الزواج الى 18 سنة)) .
لذلك فإن مواصلة ورش ونشاطات منظمات المجتمع المدني بالأخص منها المدافعة عن حقوق المرأة ، كمنظمة نساء من أجل السلام ، وغيرها كرابطة المرأة العراقية جمعية الامل العراقية ومنظمات حقوق الانسان لا بد ان تراكم الوعي من اجل تطبيق السن القانوني للزواج وهو 18 عاما والمعاقبة على الزواج غير القانوني كما ورد في قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959.
ناشط في حقوق الانسان*