المنبرالحر

قراءة في الانتخابات النيابية الروسية / أشرف الصباغ

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية الروسية، التي جرت الأحد 18 أيلول الحالي، تصدر حزب «روسيا الموحدة» الحاكم قائمة الفائزين بالأغلبية الدستورية.
النتائج الأولية أو التقريبية بعد فرز أكثر من 93 في المائة، من الأصوات قد لا تختلف كثيرا عن النتائج الرسمية، إذ أن رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات إيلا بانفيلوفا قالت «لا تغييرات مبدئية وجادة في نتائج انتخابات 2016، الصورة واضحة».
وفي الحقيقة، الصورة واضحة لدرجة أن ترتيب الأحزاب التي فازت في الدورة السادسة المنتهية لمجلس الدوما، وشاركت في أعمال المجلس (2011 – 2016) هو نفسه تقريبا، على الرغم من أن لجنة الانتخابات المركزية قامت بتعديل، أو بالأحرى تخفيض نسبة حاجز دخول الأحزاب إلى الدوما من 7 في المائة إلى 5 في المائة ،من أجل توسيع مساحة المشاركة السياسية. ومع ذلك لم تتمكن ثلاثة أحزاب هي «شيوعيو روسيا» و»يابلوكو» و»روست»، كان البعض يعول على دخولها المجلس، من تجاور حاجز الـ5 في المائة التي تسمح لها باللحاق بالأحزاب الأربعة التقليدية فى مجلس النواب «الدوما».
في ضوء هذه المعطيات، ووفقا لتوقعات قريبة من النتائج الرسمية، حصل حزب «روسيا الموحدة» الحاكم على الأغلبية الدستورية 343 مقعدا في مجلس الدوما، وحصل الحزب الشيوعي على 42 مقعدا، والحزب الليبيرالي الديمقراطي الروسي على 39 مقعدا، فيما حصل حزب «روسيا العادلة» على 23 مقعدا.
مجلس «الدوما» شهد فى دورته التشريعية السادسة المنتهية أيضا سيطرة من حزب «روسيا الموحدة» الحاكم الذى احتل 238 مقعدا، يليه الحزب الشيوعي الروسي 92 مقعدا، ثم حزب «روسيا العادلة» 64 مقعدا، و»الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي» 56 مقعدا.
وفي الدورة البرلمانية الخامسة حظي الحزب الحاكم بالأغلبية الدستورية، بـ 315 مقعدا. وبالتالي، فإذا كان عدد نواب هذا الحزب قد تراجع في الدورة البرلمانية السادسة، ففي الدورة السابعة، قفز إلى عدد ضخم على حساب الأحزاب الثلاثة الأخرى المشاركة.
لقد خاض الانتخابات 14 حزبا هى «رودينا»، و»شيوعيو روسيا»، و»المتقاعدون من أجل العدالة»، و»روسيا الموحدة»، و»الخضر»، و»المنبر المدني”، و»الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي»، و»بارناس»، و»روست»، و»القوة المدنية»، و»يابلوكو» و»الحزب الشيوعي الروسي» و»وطنيو روسيا» و»روسيا العادلة».
ولكن مع الأسف لم تتحقق توقعات توسيع دائرة التمثيل السياسي بالمقارنة مع المجلس السابق، بسبب عدم دخول أحزاب جديدة. ولكن هذا الهدف يمكن أن يتحقق، بصورة فردية، بدخول شخصيات حزبية معروفة من الأحزاب الأخرى.
بعد إغلاق مراكز الاقتراع، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الحكومة الذي يتزعم حزب «روسيا الموحدة» دميتري مدفيديف، في المركز الانتخابي لحزب «روسيا الموحدة» في موسكو. وكان بوتين متفائلا للغاية، حيث قال «إن نسبة الإقبال على الانتخابات أقل من السنوات الماضية، لكن نتائجها جيدة بالنسبة لروسيا الموحدة.. ويمكننا بكل ثقة أن نعلن فوز روسيا الموحدة في الانتخابات البرلمانية». أما رئيس الحزب ورئيس الحكومة مدفيديف فقد أعلن أن «الحزب سيحصل على الأغلبية الدستورية في البرلمان بدورته السابعة».
هذا التفاؤل والثقة من جانب الرئيس ورئيس الحكومة جاء على الرغم من اعتراف بوتين بأن نسبة الإقبال أقل من السنوات الماضية. وهو أيضا ما أكدته رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات إيلا بانفيلوفا التي أكدت أن «نسبة الإقبال على التصويت في انتخابات مجلس الدوما الروسي شكلت 47,81 في المائة». هذا الإقرار المهم من جانب رئيسة اللجنة ورئيس الدولة، يلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق السلطة السياسية في البلاد من أجل توسيع المشاركة السياسية على المستويين الفردي والحزبي في البلاد لضمان أكبر قدر من الإقبال ليس فقط على الانتخابات، وإنما على المشاركة بشكل عام في مختلف مناحي ونشاطات الحياة في البلاد.
الخبراء القريبون من حزب روسيا الموحدة أعربوا عن أملهم بأن تتمكن الأحزاب الأربعة المذكورة، من صياغة التوازن في «مجلس الدوما» بدورته التشريعية المنتظرة. وإذا كان البعض منهم قد أعرب عن أمله بأن تنجح هذه الأحزاب، كما فى الانتخابات السابقة، في الاستحواذ على حصص الأسد في «الدوما» وتحتفظ بالكلمة الفصل في صياغة التشريعات، فإن استحواذ «روسيا الموحدة» على الأغلبية الدستورية يلقي بالمسؤولية على كاهله. بمعنى أن هذه النسبة ليست رفاهية أو مكافأة بقدر ما هي مسؤولية يجب أن يبررها الحزب في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية كثيرة تثقل كاهل المواطن الروسي، وانتهاج سياسات صارمة فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ووضع أولوية قصوى للعناية بالطفل والمرأة في إطار برامج اجتماعية واسعة تشمل أيضا معاشات التقاعد والمرتبات.
هناك خبراء آخرون يرون أن هذه الانتخابات تحديدا مجرد تجربة لقياس الحملة الانتخابية الرئاسية المتوقعة عام 2018، سواء شارك فيها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، أو شخص آخر سيزكيه بوتين من الحزب الحاكم «روسيا الموحدة»، أو من الأحزاب والتكتلات السياسية الأخرى. وفى نفس هذا السياق، ترى أوساط سياسية وبرلمانية أن هذه الانتخابات تمثل أيضا اختبارا لمدى استطاعة الكرملين الإشراف على إجراء انتخابات تخلو من الاضطرابات والمشاكل، والاعتماد على القانون في حل أية قضايا، بما فيها شبهة التزوير أو انتهاك القانون، واستخدام الحزب الحاكم موارد الدولة وإمكانياتها في الانتخابات.
لقد تحدثت تقارير كثيرة حول أن الأزمة الاقتصادية التي نجمت عن تراجع الأسعار العالمية للنفط وضاعفتها العقوبات التي يفرضها الغرب على موسكو، قد قوضت شعبية حزب روسيا الموحدة نسبيا. ولكن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تؤكد العكس تماما. هذا إلى جانب أن بوتين لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة، في ظل كل تلك التناقضات. ما يعني أن ناخبين كثيرين يثقون بطروحات الكرملين وسياساته.